إعتداء مرافقي نائب على نازح سوري: حملات التحريض تنذر بالأسوأ
عبد الكافي الصمدفي الجلسة الأخيرة التي عقدها المجلس النيابي لمناقشة أزمة النّازحين السّوريين في لبنان، إرتفعت أصوات بعض النوّاب محذّرة من حملات التحريض والعنصرية باتجاه هؤلاء النّازحين، ومن أن ذلك قد يكون مقدمة لانفجار إجتماعي وأمني كبير.
لم يأتِ هذا التحذير من فراغ. فبعد اغتيال مسؤول القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان، مطلع شهر نيسان الماضي، شهدت مناطق نفوذ القوات، قبل أن يمتد ذلك إلى مناطق نفوذ أحزاب أخرى، وتحديداً في المناطق ذات الغالبية المسيحية، شنّ هذه الأحزاب مع مناصريها وجمهورها حملات تحريض ضد النّازحين السوريين في هذه المناطق، وفي لبنان، وتحميلهم مسؤولية أزمات البلد ككلّ، وصولاً إلى الطلب بإبعادهم إلى بلادهم، ولو طرداً وبالقوة.
منذ ذلك الحين يكاد لا يمرّ يوم بلا وقوع إشكالات بين مواطنين ونازحين سوريين في عموم البلاد، وإنْ كانت مناطق تخضع لنفوذ الأحزاب السياسية الآنفة الذكر تشهد أكثر من غيرها إشكالات أكثر، ما دفع أعداداً كبيرة من هؤلاء النّازحين إلى الفرار من هذه المناطق بجلدهم، بعد تهديدات تلقوها واعتداءات ومضايقات تعرّضوا لها، نحو مناطق أكثر أمناً وتقبلاً لهم.
أبرز هذه الإشكالات كان ما تعرّض له فتى سوري، في الـ17 من عمره، على أيدي مرافقي نائب الكورة أديب عبد المسيح في بلدة كفرصارون الكورانية، يوم السبت الماضي، بعدما طلب من هؤلاء المرافقين عدم ركن سيارتهم ذات الزجاج الداكن أمام محل يعمل به بطلب من صاحبته التي كانت تركن عادة سيارتها أمامه. فانهالوا عليه شتماً وضرباً بوحشية، وهو ما أظهرته أشرطة كاميرات المراقبة في المحل، قبل أن ينقل الفتى السوري وهو مثخن إلى أحد مستشفيات المنطقة لتلقي العلاج.
عبثا حاول النائب عبد المسيح، الموجود خارج لبنان، وهو نائب يصف نفسه بأنّه "تغييري"، تبرير "فعلة" مرافقيه، وقوله بأنّهم كانوا حينذاك خارج الخدمة، وكأنّه يحقّ لهم أن يفعلوا ما فعلوه وهم خارج الخدمة ما لا يحق لهم فعله وهم في الخدمة الفعلية، أو كأنّ هذا الكمّ من العنصرية والحقد والكراهية والإنتقام من نازحين سوريين عُزّل جاء من فراغ.
غير أنّ السّؤال الأبرز في هذا السياق، هو: إذا كان مرافقو نائب قاموا بهذه "الفعلة"، فماذا كان سيفعل مرافقو زعيم ميليشيا، أو شبيحة أو زعران، في ظلّ أجواء التعبئة في وجه هؤلاء النازحين، وتحميلهم مسؤولية كلّ أزمات البلاد، والدعوة إلى إبعاد هؤلاء النّازحين من مناطق نحو مناطق أخرى، وكأنّ كلّ منطقة أو مدينة أو قرية أصبحت دولة مستقلة بحدّ ذاتها، والدعوة إلى إعطاء البلديات صلاحيات وسلطات أعلى وأكبر من صلاحياتها وسلطاتها الفعلية، وتحويلها إلى "ضابطة عدلية" ترمي التهم جزافاً نحو النّازحين، بلا أيّ ضوابط أو قواعد قانونية وأخلاقية؟
إنّ استمرار بعض الأحزاب والقوى السّياسية في اتباع هذا النهج والأسلوب من التحريض على النّازحين السّوريين لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإنقسام السياسي والطائفي، خصوصاً بعدما بدأت ترتفع في بعض المناطق أصوات وتشهد مظاهرات تأييد ودعم لهؤلاء النّازحين (مسيرة حزب التحرير الإسلامي في طرابلس قبل أيّام)، ولأسباب طائفية لم تعد خافية، ما ينذر بأيّام مقبلة ستكون صعبة جدّاً على البلد، ما لم يتمّ إتّباع أساليب سياسية وديبلوماسية حكمية وعقلانية لمعالجة هذه المشكلة، أبرزها التواصل على أعلى المستويات الرسمية مع الحكومة السّورية، وغير ذلك فإنّ الأمور ذاهبة نحو الأسوأ إن لم يتم تداركها قبل فوات الأوان.