إلى الأخ الكبير الدكتور عصمت المراد لقد أينع زرعكم و طاب ذكركم
كتب الأستاذ ناصر الظنطلا بد من كلمة عزاء لإيران شعباً و قيادة برحيل الرئيس رئيسي و وزير الخارجية و رفاقهما سائلاً المولى عزوجل أن يتقبّلهم بالشهداء لوفاتهم أثناء خدمتهم لبلدهم و لما كان لهم دور طيب في دعم غزة و فلسطين و دعم المقاومة و المقاومين.
لقد سعى العدو الصهيوني المجرم لسحق حماس والمقاومة وتدمير غزة و تهجير اهلها من خلال حرب الابادة الجماعية الوحشية على مدى ما يقارب الثمانية اشهر وعلى مدار الدقائق والساعات والايام ،ولكن الصبر والثبات لاهل غزةالأباة ولمجاهديها البواسل بقيادة القسام اذهل العالم كله بعيده وقريبه .وكأننا امام المعادلة التالية اجرام غير مسبوق قابله صمود اسطوري مما فجر غضباً عالمياً وفتح جبهات اسناد ودعم وتعاطف بدءاً من اليوم الثاني ، في لبنان المقاوم مروراً باليمن والعراق وصولاً الى الجبهات المفتوحة على المستويات السياسية والدبلوماسية والقضائية والاجتماعية والانسانية والاعلامية والتربوية ولا سيما المظاهرات والاعتصامات التي عمت جامعات امريكا واوروبا واستراليا وكندا وسائر التحركات الشعبية هذه الجبهات التي تتكامل لتشكل عامل ضغط على الكيان المؤقت و داعميه من المستكبرين في العالم وعلى رأسهم امريكا من اجل وقف حرب الابادة الهمجية، رغم ان العامل الحاسم والاساس هو ساحة البسالة في غزة العزة .و لا بد من الحديث عن جبهات مهمة ايضاً و منها الحملات الانسانية والاجتماعية التي فتحت ابواباً للتبرع بالمال والطعام والملابس والادوية وحتى الماء وغير ذلك من حاجات ضرورية في كل نواحي الحياة بعد هذا الدمار الهائل فكل المساعدات تحمل صفة الاستثناء في هذه الظروف الصعبة والمعقدة ومن بينها المساعدات الطبية والاستشفائية والتي سأتناول واحدة منها ،ليس لانها الاهم ولكن لاتصالها باشخاص نعرفهم اثاروا فينا ذكريات عزيزة لقامات نفتقدها في الشدائد من الايام .
لقد وصلني الخبر عن مبادرة كريمة وطيبة قامت بها الجمعية الالمانية العربية لطب العيون مقرها المانيا هذه المبادرة سعت لتأمين مستلزمات طبية وآلات وأجهزة من شأنها إعادة احياء وانشاء قطاع طب العيون في غزة بعدما طاله من خراب ودمار من جراء العدوان بل يمكن القول ان هذا القطاع قد دمر بالكامل ولا بد من اعادة تكوينه وهذا الذي حصل من خلال المبادرة الطيبة من الجمعية التي تضم اطباء عرب يعملون في المانيا تمسكوا بشهامتهم العربية وقد كان لمبادرتهم اثرها الكبير حيث وصلت الاجهزة ومعها بعض المتطوعين وبدأ العمل فعلاً وقد اجريت عمليات لمعالجة الشبكية وغيرها ثم تبعتها مبادرة ثانية لدعم احدى النقاط الطبية في دير البلح بالأدوية و بعض المستلزمات .ولعل الدافع الاساسي لاختياري الحديث عن هذه المبادرة ان رئيسها هو طبيب العيون الدكتور صلاح الدين المراد ابن عكار والشمال والدته من طرابلس الفيحاء الدكتورة سناء الحجة حفظها الله (تحاليل مخبرية) ووالده الاخ الكبير العزيز الشهيد الدكتور عصمت عبد الكريم المراد (العيون – عكار) والذي حمل فلسطين في عقله وقلبه وجميع خلجات نفسه ومنذ كان طالباً في المتوسط والثانوي في شمال لبنان و طرابلس ثم الجامعي في فرنسا حيث كان لولباً لنشاطات العمل الطلابي المناصرة لفلسطين واثر عودته الى لبنان ورغم انخراطه في مهنته الخاصة كطبيب (طب عام وجراحة عامة) سواء في مستشفى الحسيني او في عيادته الخاصة( لطالما جمع من المنتظرين في الصالة المساهمة في ثمن ادوية المريض المحتاج).و لم يمنعه ذلك ابدا من الانخراط الكامل في العمل من اجل فلسطين فكان في صفوف الثورة الفلسطينية (حركة فتح) وحمل السلاح وجرح دفاعاً عن المقاومة وسلاحها بوجه القوى الانعزالية عام 76 ولم يكن ليحمل السلاح لاهداف تتصل بالنزاعات الطائفية او المذهبية لذلك كان من اول الملبين لخيار الانتقال الى جنوب لبنان بمواجهة العدو الصهيوني فور اعلان وقف اطلاق النار عام 76 ودخول قوات الردع العربية وكان من المساهمين مع اخوانه في اتحاد الشبيبة الوطنية في الشمال واللجان الوطنية في بيروت والبقاع والجبل والجنوب في تاسيس سرية بنت جبيل ضمن أطر الكتيبة الطلابية (حملت لاحقا اسم كتيبة الجرمق) وترافق ذلك مع السعي لتشكيل حالة سياسية وتنظيمية من خلال حركة لبنان العربي وكانت من اهم اسهاماتها المشاركة في مواجهة الاجتياح الاسرائيلي عام 78 وما سمي حينها بعملية الليطاني .وقد كان نصيب الشمال ارتقاء اربعة شهداء (غسان فتح الله وعلي جركس وبلال الحصني وعبد الله بقاعي)وما زالت جثامينهم الشريفة في بنت جبيل مع رفاقهم الشهداء الذين سطروا ملاحم بطولية في مارون الراس ورب ثلاثين وغيرها واستمرت المشاركة وصولاً لاجتياح عام 82 ، والذي ادى الى تراجع عام في صفوف الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية مما دفعه الى بذل جهود استثنائية لتأسيس حركة التوحيد الاسلامي لتوحيد مجموعة من القوى الشعبية المقاومة في الشمال لمواجهة الاحتلال الصهيوني ونتائجة ولعل الاسباب الرئيسية لاغتياله هو امتلاكه العلاقات المتميزة مع مجموعة اطراف قد تشكل في حال تحالفها او اتحادها حالة جهادية قوية بوجه اسرائيل وعملائها وهو الذي كان يبذل جهودا لتحقيق التعاون بين التوحيد والكتيبة الطلابية و الحالة الاسلامية المقاومة التي بدأت طلائع تشكيلها آنذاك في البقاع باشراف الحرس الثوري الايراني ؛
وليس سرا القول انه ترك المدينة حوالي الشهر قضاها في قريتة العيون عكار وكانت فرصة للتفكر فيما يمكن القيام به لاعادة تصويب المسار في الحالة الاسلامية واخراجها من الصراعات الداخليةو الزواريب ،ولم ينزل الى طرابلس الا عقب الغارة الصهيونية على شباب حركة التوحيد في جزيرة الارانب والذي قضى فيها عشرات الشهداء والجرحى وذلك في 28 حزيران 1984 مما فتح عنده بابا ً لاعادة تصويب البوصلة باتجاة المواجهة مع العدو الرئيسي اسرائيل ،لكن يد الغدر الآثمة العميلة اغتالته في مطلع اب 84 ، واذكر أني تناولت معه في منزله في الميناء فطور الصباح قبل يومين او ثلاثة ايام من استشهاده وكان يتحدث عن الموت والشهادة واليقين لدى المؤمن بأن الآجال بيد الله تعالى ، ثم طلب مني اصطحاب زوجتة وولده الصغير صلاح لبيت اهلها في طرابلس قائلاً اوصلهم انت بسيارتك فلدي طلعات ونزلات وزواريب كثيرة ، انه قلب المؤمن الصادق نحسبه كذلك سائلين الله تعالى ان يتقبل شهادته .
لقد اينع زرعكم يا اخي وصديقي عندما يتصدى ولدك الوحيد لمسيرة العلم والطب وكذلك للعمل الجماعي والتعاوني لا سيما عندما يسهم في دعم اهل غزة المستضعفين الصابرين .
جزى الله خيرا كل من ساهم في هذه المعركة الشريفة على طريق تحرير الاقصى وفلسطين والحمد لله رب العالمين .