نداء الوطن _ معمل نفايات كوسبا "يُنتج" انقساماً على كتف نهر قاديشا
كارين عبد النورقضية نفايات الكورة «تطفو» على السطح من جديد. فعقد الاستثمار الموقّع بين كلّ من بلدية كوسبا – الكورة وجمعية «كلّنا أهل» (الممثَّلة بشخص النائب أديب عبد المسيح)، والقاضي بإنشاء معمل للفرز ومركز لتسبيخ النفايات العضوية (كومبوست) وتوضيبها وإعدادها للبيع، على كتف نهر قاديشا، قوبِل بانقسام بلدي وسياسي حادّ. وفي وقت لم تُدرج الكورة على لائحة الخطة الوطنية للمطامر في لبنان، تعلو أصوات معارِضة: «ما بدنا نوّاب يجيبوا مطامر عالكورة».
في التفاصيل، مَنح العقد الموقّع لمدّة عشر سنوات جمعية «كلّنا أهل» الحق الحصري في جمع النفايات المنزلية المُفرزة ضمن نطاق بلدة كوسبا العقارية، حيث خُصّص لهذا الغرض جزء من العقار 1200 من منطقة كوسبا، الواقع على كتف نهر قاديشا. هناك، سيتمّ إنشاء معمل كناية عن جزءين: داخلي يتألف من هنغار حديدي يحتوي على الماكينات والمكابس الهيدروليكية للكرتون وفراغات المشروبات المعدنية والزجاج والبلاستيك وغيره؛ وآخر خارجي يتألف من 4 إلى 8 حاويات لإنتاج الكومبوست للتخمير.
مصادر مطّلعة أكّدت لـ»نداء الوطن» أن قائمقامية الكورة رفضت العقد المذكور بعدما أحالته إلى مجلس شورى الدولة الذي اعتبر، بدوره، أن بنوده لا تحفظ حقوق البلدية. وأضافت أن وزارة البيئة لم تعطِ موافقتها بعد على دراسة الأثر البيئي. علماً بأن المشروع المقدّم إلى الوزارة لا يتطابق مع ذلك المنوي تنفيذه على أرض الواقع، بحسب المصادر نفسها (وهو سؤال تمنّع وزير البيئة، الدكتور ناصر ياسين، عن إجابتنا عليه). وهكذا، ثمة تخوُّف من أن يتحوّل هذا المعمل إلى مطمر تجري عصارة النفايات الصادرة عنه من كتف النهر إلى الوادي لتصبّ في مجرى المياه، خصوصاً وأنه يقع في منطقة سياحية، حرجية وأثرية. فما رأي المعنيّين؟
على الطريقة اللبنانية
البداية مع النائب فادي كرم الذي أشار في حديث لـ»نداء الوطن» إلى أن الحلّ المطروح ليس سيئاً إن نُظر إليه فقط من ناحية ضرورة معالجة النفايات المرمية حالياً بشكل عشوائي في المكب. لكن يجب الاطّلاع بشكل علمي ودقيق على نوعية المعالجة وكيفية التخلص من العوادم والعصارات التي ستتسرّب إلى مجرى النهر. «لا يمكن أن نعالج الخطأ بخطأ أكبر منه. هناك مكبّ غير قانوني في المنطقة، فهل نذهب إلى قوننة مطمر منافٍ للشروط القانونية للأثر البيئي؟».
ويضيف كرم أن مسألة المكبّات في الكورة كارثية وتلحق الأذى بالسكان خصوصاً عند احتراقها. «من هنا اقترحت على وزير البيئة العمل على إنشاء معمل حديث لمعالجة نفايات الكورة بأكملها في أراضي معامل الترابة، حيث لم يعد لهذه الأراضي من فائدة». هذا وأشار ختاماً إلى ضرورة النظر بتكلفة المشروع المطروح لمعالجة نفايات كوسبا والتي ستكون كبيرة جداً على المواطنين.
هل ينجح؟
نبقى مع نواب الكورة وننتقل إلى النائب جورج عطالله الذي لفت عبر «نداء الوطن» إلى أن المجلس البلدي - الذي أعطى الموافقة على المشروع - كان منقسماً على ذاته، ما يؤكّد وجود إشكالية في الملف، خصوصاً وأن وزارة البيئة لم تبدِ رأيها حتى الساعة. «لست متخصّصاً بالشأن البيئي، غير أنني أرى أنه من غير المنطقي إقامة مشروع من هذا النوع على كتف النهر. فهناك رواسب ستؤثّر على المياه الجوفية، كما أن لا مفرّ من الإجابة على العديد من الأسئلة القانونية قبل المضيّ قدماً، وأبرزها ما إذا كان تصنيف المنطقة يسمح بإنشاء مشروع مماثل. على المستوى الشخصي، لا أعارض فكرة إيجاد مطامر أو معامل للمعالجة الصحية للنفايات على غرار دول العالم التي تنشئ معاملها داخل القرى والمدن مع مراعاة شروط السلامة البيئية والصحية. لكننا ما زلنا لا نملك هذه الثقافة في لبنان، لذا لا يمكن المباشرة بأي مشروع إن لم تُستكمل دراسة كافة جوانبه القانونية والصحية والبيئية وحتى مدى تأثيره على المحيط والجوار».
لكن المجلس البلدي وقّع على العقد مبارِكاً المشروع بعد أن حصل (وفق رئيس البلدية، عقل جريج) على موافقة شفهية من وزارة البيئة. فهل يشي ذلك بأن الأعمال ستنطلق؟ يجيب عطالله بأنه يتوجّب أن يحظى المشروع بموافقة وزارتَي البيئة والزراعة مع ضرورة وجود دراسة أثر بيئي. وبما أن العقد شريعة المتعاقدين في كل ما هو غير مخالف للقانون العام، يستحيل على طرفين اثنين أن يتّفقا على مخالفة القانون. «أنصح البلدية بأخذ كافة احتياطاتها. فهل يُعقل الاعتماد على موافقة شفهية، مثلاً، وهل بهذه الطريقة تُنفَّذ المشاريع؟ أظن أن الأمر ليس سهلاً ولن يُكتب للمشروع النجاح والاستمرارية. فإن لم توقفه إحدى الوزارات المختصّة، سيحول السكان المتضرّرون دون تنفيذه إذ سيتقدمون بمراجعات قانونية أمام مجلس شورى الدولة».
الكلام الذي راح يدور حول إقامة معمل للفرز بدأ يتحوّل إلى «وشوشات» تغمز من قناة إنشاء مطمر للنفايات أيضاً. فهل يكون أهل المنطقة على موعد مع مخالفة قانونية بنكهة بيئية؟
لن ننتظر أكثر
على المقلب الآخر، يخبرنا النائب أديب عبد المسيح بأن دراسة الأثر البيئي قد عُرضت على وزير البيئة وهو بصدد دراستها دون أي ضغوطات سياسية. واعتبر أن الواقع الحالي للنفايات التي تصدر من كوسبا ومن خارجها غير مقبول. «تُرمى النفايات بشكل عشوائي على بعد أمتار قليلة من مياه النهر. لهذا، قامت جمعية «كلّنا أهل» بمسح للمنطقة قبل التوقيع على العقد مع البلدية. أمّا معارضو المشروع، فليتفضلّوا لإعلامنا بكيفية التخلّص من النفايات المتراكمة حالياً وبالبديل. الوزارة رحّبت بالمشروع كونه سيعالج النفايات العضوية وغير العضوية. أما الطمر، فسيتناول العوادم فقط. والنفايات العضوية المنتِجة للعصارة ستنتفي كونها ستُحوَّل الى كومبوست».
المشروع، كما يشدّد عبد المسيح، متكامل بيئياً ومن شأنه ضبْط فوضى إدخال النفايات إلى مطمر كوسبا الحالي ومعالجة تلك الموجودة فيه راهناً. كما أنه يُعدّ مشروعاً إنمائياً حيث سيؤمّن فرص عمل للشباب اللبناني وكميات كافية من السماد العضوي بأسعار منافسة لأسعار السوق. لكن الخطة الوطنية للمطامر لم تنصّ على وجود مطمر في الكورة، فلماذا إنشاؤه أصلاً؟ «إلى متى سننتظر والنفايات تأكلنا. حصلنا على تمويل للمشروع ويمكننا الشروع به فوراً. الكورة هي أكثر المناطق المهدّدة بيئياً وآخر منطقة تحظى بمشاريع إنمائية. الخطط كثيرة لكنها قابعة في أدراج المجلس النيابي ولا يسعنا الانتظار أكثر»، كما يختم.
لا مطمر حالياً
من جهته، قال جريج في اتصال مع «نداء الوطن» إن توقيع الاتفاقية حصل بعد إدخال تعديلات على بعض المواد منعاً لتحميل البلدية أعباءً إضافية. «بحسب معلوماتي، وافقت الوزارة شفهياً على دراسة الأثر البيئي لكننا لم نحصل على أي مستند خطي بعد. وللمتخوّفين، أؤكّد عدم وجود أي ضرر كون المشروع يقتصر على عمليات الفرز ليس أكثر. ثم أنه يستحيل تحويله إلى مطمر، لا بل هو، بالعكس، سيحدّ من الآثار السلبية بنسبة تتخطى الـ90%، كما أننا نجزم بأننا لن نوظّف سوى لبنانيين».
من ناحيته، جزم الوزير ياسين لـ»نداء الوطن» أن دراسة الأثر البيئي ما زالت قيد الدرس وأنه ما من مخطط لإقامة أي مطمر حالياً. فالهدف هو معالجة النفايات في كوسبا وإزالة المكبّ العشوائي الحالي، في حين أن معمل المعالجة في مقالع شكا والكورة قيد المناقشة مع شركات الترابة والبلديات.
جولة ميدانية
في جولة على سكان كوسبا، أبدى كثيرون منهم لـ»نداء الوطن» تخوّفهم من طريقة المعالجة وتحويل المعمل إلى مطمر، لا سيّما وأن حيثيات المشروع ما زالت ضبابية. وأعرب آخرون عن أسفهم لإنشاء هكذا مشروع في منطقة سياحية بامتياز. «يفوق سعر متر الأرض في محيط المعمل المزمع إقامته 150 دولاراً، وقد يتراجع إلى ما دون الـ20 دولاراً في حال نُفّذ المشروع، ما سيُمني مالكي الأراضي والشقق السكنية بخسائر كبيرة». أما هواة ممارسة الرياضة في محيط المنطقة، فسيُحرمون من تلك المتعة كما يتوقّعون.
«ما يجري اليوم لا يختلف عن المكبّ الموجود على ضفاف نهر قاديشا، لكنه سيتحوّل إلى مكبّ رسمي وقانوني. لا نعلم الكثير عن مستقبل المشروع لكن من قال لداعميه إننا نريد مكبّاً في الكورة؟ ولماذا لم ينفّذوا مشروعهم في كفرحزير أو جزين، مثلاً؟»، يتساءل أحد القاطنين هناك. ويستغرب آخر كيف أن لوزير البيئة القبول بخلق مكبّ على كتف النهر، بينما عبّر بعض الشبان عن هواجسهم: «هيدا ما عملوه لشباب المنطقة، لأنو بيعرفوا أنو ما منشتغل فيه. بكرا بتشوفوا الغِربية فايتين طالعين عالضيعة وما حدا عارف لوين رايحين».
تحت وطأة الظروف الضاغطة، لا شك أن بلديات عدّة تلجأ إلى أي حلول متاحة أياً تكن النتائج. إلّا أن لا فائدة من قيام الكورة وحدها بإنشاء معمل مستقلّ كون تحقيق الجدوى الاقتصادية من المشروع واسترجاع جزء من التكلفة يتطلب إنتاج 100 إلى 150 طنّاً من النفايات يومياً، وهي كمية لا توفرها منازل الكورة وحدها، برأي مراقبين. وفي الأثناء، يبقى واقع ملف نفايات كوسبا أسير تجاذبات بلدية، معارضة سياسية ورفض شعبي. فهل يُجهض المشروع قبل ولادته؟