"إسرائيل" في قبضة "الجنائية الدولية"
كتب المحررلم تكد "إسرائيل" تتخطى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا عليها في محكمة العدل الدولية، في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، بسبب حربها الدموية على قطاع غزة، والتي أصدرت حينها حُكمًا يأمر "تل أبيب" بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وضمان تدفق المساعدات إلى غزة، حتى تلقت صفعة عالمية أخرى بعد قرار رئيس المحكمة الجنائية الدولية كريم خان بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت يحمّلهما المسؤولية عن جرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في غزة، أي ما يشبه ارتكاب جرائم حرب.
مع أن قرار المحكمة الجنائية الدولية ليس الأول من نوعه، منذ إنشائها في أول تموز 2002، لكنها المرة الثانية التي تصدر فيها مذكرة اعتقال بحق قادة حكومات بعد الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
ومع أنه جاء متأخرًا، بالنظر إلى فظاعة الجرائم التي يرتكبها القادة الصهاينة في غزة على مدى أكثر من سبعة أشهر، إلا أنه كان جريئًا كونه للمرة الأولى يتجرأ على "إسرائيل"، الحليف الإستراتيجي للغرب في العالم والمنطقة.
في الحقيقة، وقعُ الخبر كان مدوّيًا على الكيان الصهيوني وحلفائه، إذ سادت حالٌ من الغضب العارم بين قادة العدو، كون المدعي العام للمحكمة أصدر أوامر اعتقال بحقّ قادة الحكومة الإسرائيلية، لذلك شُنّت حملة أمريكية - إسرائيلية قاسية على القرار، وصلت إلى حدّ تهديد المحكم.، إذ وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن طلب المدعي العام بالمشين، وجدّد التزام واشنطن بأمن "تل أبيب"، كما برز تحرك في الكونغرس يسعى لمعاقبة المحكمة، وانضمت بريطانيا والتشيك والنمسا إلى الموقف الأمريكي، بخلاف بلجيكا التي رحّبت.
في حين أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أنه فتح: "غرفة حرب خاصة" لمواجهة تحرك المحكمة، في ما وصف نتنياهو طلب إصدار مذكرة الاعتقال بـ "الفضيحة"، وهدّد وزيرُ ماليته بتسلئيل سموتريتش بـ:"تفكيك هذه المحكمة السياسية والمعادية للسامية"، كما وصف عضو مجلس الحرب بيني غانتس الأمر بأنه: "جريمة ذات أبعاد تاريخية".
لكن المستغرب في قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه لم يأتِ على ذكر مسألة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.. إذ إنّ مسألة "نية الإبادة الجماعية" أصعب جريمة يمكن إثباتها؛ كونها لا تنطوي فقط على قتل الناس؛ بل على تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عرقيّة أو دينية كليًا أو جزئيًا.
وهذا الأمر عجزت عن إثباته جنوب أفريقيا في الدعوى التي قدمتها سابقًا أمام محكمة العدل الدولية لإثبات أن "إسرائيل"، من وجهة نظرها، ترتكب "الإبادة الجماعية".
لكن "خان" قام بخطوة استباقيّة لكي يكبّل قضاة المحكمة، ويضغط عليهم من أجل أن يصدروا الأمر بشكل عاجل، إذ إنه في قضية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترك الأمر للقضاة ولم يعلن عن ذلك، مع أن الجريمة التي اتُهم فيها "بوتين" كانت أقل بكثير من الجرائم التي تُرتكب في قطاع غزة.
إلى ذلك؛ جددت مقرّرة الأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز تأكيدها على ارتكاب "إسرائيل" أعمال إبادة ضد الفلسطينيين في غزة، مضيفة أن: "ما تشهده غزة يمثل مجموعة من جرائم الحرب غير المسبوقة وإن إسرائيل تلاعبت بالقانون الدولي الإنساني لتسويغ انتهاكاتها"، في حين قال الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو أن التاريخ سيسجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصفة "مرتكب إبادة جماعية".
في السّياق نفسه، رجّح خبراء قانونيون أن يكون خان قد تعمّد عدم ذكر الإبادة الجماعية، من أجل تأخير هذه المسألة كي يسمح لمحكمة العدل الدولية البتّ في الأمر.
ذلك؛ لأن "الإبادة الجماعية" تحتاج إلى تأسيس أكبر، بينما الجرائم التي اتُهم بها الإسرائيليون لا تحتاج إلى الكثير من الاختبار.
كما نقل موقع "إسرائيل اليوم" الإسرائيلي عن مدير معهد الدبلوماسية القانونية في مركز القدس للشؤون العامة الإسرائيلية آلان بيكر قوله: "معنى المذكرات هو أنه يجوز لأي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو أو غالانت إذا حضرا لزيارتها"، مؤكدًا أنه: "ليس هناك أي احتمال أن ترفض المحكمة طلب المدعي العام بإصدار مذكرات الاعتقال.
ومن شأن القرار إذا اتخذته المحكمة على المستوى الدولي أن يمعن في عزل إسرائيل، وأن يقلّص من المساحة التي يتحرك فيها المسؤولان الإسرائيليان على الساحة الدولية، وأن يزيد الضغط على الإدارة الأمريكية لتضغط بدورها على حليفتها الإسرائيلية من أجل إنهاء الحرب في غزة".
وعليه، لم يكن أحد يتصور يومًا أن يفتضح أمر الكيان الصهيوني في المحافل الدولية، وأمام مرأى العالم على جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل طوال العقود الماضية.
فبالرغم من مجازره في الضفة الغربية وغزة وفلسطين والمنطقة كلها، استطاع قادته التملّص من التّهم الموجهة إليهم مرارًا.
لكن ما حدث في قطاع غزة، من قتل ودمار وحصار وتشريد وتجويع وحتى تعذيب للأهالي، والذي ساعدت وسائل الإعلام العالمية في كشفه، أدى بعدد من الدول الى مقاضاة هذا الكيان الغاصب في المحاكم الدولية.
"خان"
قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إن لديه أسبابه المعقولة للاعتقاد بأنَّ نتنياهو وغالانت يتحمّلان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في قطاع غزة، ابتداءً من الثامن من تشرين الأوّل/أكتوبر.
هذه التهم التي يتحمّلها نتنياهو وغالانت وفقًا للمدعي العام هي تجويع المدنيين، في أسلوب من أساليب الحرب وتعمّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة والقتل العمد، وتعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، والإبادة /أو القتل العمد، بما في ذلك في سياق الموت الناجم عن التجويع والاضطهاد، وأفعال أخرى غير إنسانية.
وأضاف خان بأنَّ هذه الجرائم ضد الإنسانية، والتي وُجِّه الاتهام بها, قد ارتُكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملاً بسياسة الدولة، مؤكدًا استمرارية هذه الجرائم، حتى يومنا هذا، وفقًا لوصفه.
وأكد خان وجود أدلة تثبت أن "إسرائيل" تعمّدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة، بشكل منهجي، من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني.
وقد حدث ذلك بفرض حصار كامل على غزة تضمن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة ولأوقات مطوّلة.
كما ذكّر خان مضيفًا: "التقييد التعسفي لنقل الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الطعام والدواء، من خلال المعابر الحدودية بعد إعادة فتحها، وقطع أنابيب المياه العابرة للحدود من إسرائيل إلى غزة وإمدادات الكهرباء وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشنّ هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، ما أجبر كثيرًا من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها".