الادانةُ المعلّبة... عن قضية الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، الفوضى
دكتور طارق مفيد المبيضعندما تكثر الاخبار المتناقلة عبر وسائل الاعلام والتواصل، فأنت بحاجة الى أن تكتب لتعيد ترتيب أفكارك. خصوصاً اذا كانت الأخبار المتناقلة خارج سياق المنطق والعقل، وتصب معظمها في اتجاه واحد.
في علم الجريمة، كما تجسدها الكتب المتخصصة، والأفلام والمسلسلات المبنية على أحداث جرت على أرض الواقع، يبدأُ المحقق بتعليق صور المشتبه فيهم والخرائط المتعلقة بمسار الجريمة، ويتابع حركة الاتصالات، ويستجوب الشهود، ومن بعد ذلك يستبعد عدداً من الأسماء التي من المستحيل أن تكون متورطة في تلك الحادثة، ليركز على شخصيات تكون في دائرة الشبهة نظراً لعداواتٍ معينة قد تربطها بالضحية.
وفي معظم الأحيان، في تلك الجرائم الغامضة، تكون شخصية الفاعل غير متوقعة ومستبعدة ربما من احتمالات المحقق.
ما حصل في قضية اختفاء الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، وبغض النظر عن الجهة الفاعلة، يستحق أن نتوقف عنده قليلاً، وأن نتمعن في خطورة الخطاب الذي أطلقته بعض الجهات التي كانت تمني النفس بخلق قضية ما والدفاع عنها بعدما فقدت قضيتها الأساسية، ولم يكن بطبيعة الحال الهدف لدى كثير من أولئك الكشف عن تفاصيل القضية ومعرفة مكان الشيخ أحمد الرفاعي، والدليل أن أولئك المحققين الذي خرجوا عبر أثير الاذاعات من مسؤولين أمنيين سابقين ونواب أسبقين واعلاميين يطمحون لزيادة مساحتهم من الدعم، استطاعوا بمخيلتهم الواسعة أن يحسموا هوية المتهم، ووجهوا أنظار الناس اليه، استبعدوا كل الاحتمالات الأخرى، وهذا مما لا شك أنه ضربٌ من الجنون، ولو كنا في دولة تعلم ما معنى أمنها القومي وسلمها الأهلي لتم ايقافهم وتحذيرهم على الاقل، اذا لم نقل أكثر من ذلك.
هؤلاء غطوا من حيث يدرون أو لا يدرون المتهم الحقيقي، وأبعدوا الشبهات عنه، وتركوه يسرح ويمرح خدمة لمشروعهم وتهيؤاتهم، وتم التشويش على مسار التحقيق، وكادوا -لولا حكمة البعض- ان يخلقوا فتنة مذهبية، تخدم كل الفئات اللبنانية ما عدا أهل السنة الذين يحتاجون اليوم الى الحوار والبناء ومد جسور التعاون والوقوف بمكان الوسيط لا بمكان العدو لاخراج الشمال وباقي المناطق السنية من دائرة الفقر والجوع والبطالة.
من دعا للتسليح، فانه يدعو لأن يكون أمير حرب، وامير الحرب تأتي اليه الغنائم من دماء الشباب التي تقتل دفاعاً عن "القضية"، فيشتري مزيداً من المنازل والقصور والسيارات. وتبقى القضية التي تدر له ذهباً، فيما يشرّدُ الناس ويقتلون ويصبحون لاجئين تحت الخيام، تماماً كما حدث مع امراء الحرب في العراق وسوريا وليبيا.
لقد ظُلِم الشيخ أحمد شعيب الرفاعي مرتين. المرة الأولى عندما اختطفه المجرمون والمرة الثانية عندما حاول البعض استغلال قضية اختفائه لتحقيق مآرب سياسية.
وحتى تنجلي صورة القضية، لا بدّ من ان تتقدم أصوات العقل والحكمة، وأن تكون هذه الحادثة فرصة لوقف التدهور الامني في الشمال والذي يحصد كل سنة عشرات الضحايا نتيحة خلافات عائلية، وصراعات نفوذ، وفوضى طرقات، وانتشار مخيف للمخدرات في كل مكان.
المجتمع ينهار، فهل من تأخذه الحمية لاصلاحه؟!