بلديات طرابلس والشّمال: شللٌ قائم ومستقبلٌ قاتم
24 شباط 2023

بلديات طرابلس والشّمال: شللٌ قائم ومستقبلٌ قاتم

عبد الكافي الصمد

على مسافة تقلّ عن ثلاثة أشهر عن موعد الإنتخابات البلدية والإختيارية المقرّرة مبدئياً بين شهري نيسان وأيّار المقبلين، لا توحي الأجواء السّياسية على اختلافها أنّ إستحقاق الإنتخابات المحلية سيجري في موعده، بل أنّ تمديداً آخر للمجالس البلدية والإختيارية يبدو مرجّحاً، على غرار ما حصل العام الماضي عندما جرى تمديد ولاية هذه المجالس عاماً واحداً، بعدما انتهت فترة ولايتها عام 2022، والتي امتدت 6 سنوات منذ إجراء إنتخابات عام 2016.

وعلى الرّغم من التصريحات الكثيرة لوزير الداخلية والبلديات بسّام مولوي التي عبّر فيها عن تمسّكه بإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها، وأنّ وزارته قد أنجزت لوجستياً كلّ الترتيبات التي تحتاجها الإنتخابات، فإنّ مؤشّرات عديدة توحي عكس ذلك، ما سيجعل مصير المجالس البلدية مجهولاً حتى إشعار آخر.

أبرز هذه المؤشّرات أنّ إجراء الإنتخابات المحلية يحتاج إلى إقرار قانون في مجلس النوّاب، وهو أمر يبدو متعذراً في ضوء التجاذبات الواسعة بين الكتل والقوى السّياسية حول عقد جلسة تشريعية لمجلس النوّاب في ظلّ الفراغ الرئاسي وقبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إضافة إلى عدم توافر الأموال المطلوبة لزوم إجراء الإنتخابات في ظلّ الأزمة المالية الحالية، إضافة إلى عدم حماسة القوى السّياسية لإجراء الإنتخابات في هذه الظروف، ونظراً لما تسبّبه لها من "صداع" سياسي بسبب الطابع المحلي والعائلي لها هي بغنى عنه حالياً.

بلغة الأرقام يبلغ عدد المجالس البلدية 1112 مجلساً بلدياً، حسب آخر جدول أصدرته الوزارة، منها 103 مجالس بلدية منحلّة و27 مجلساً بلدياً مستحدثاً، لكن يبدو لافتاً في ما يتعلق بالبلديات المنحلّة أنّ محافظة الشّمال تشكّل نسبة البلديات المنحلّة فيها ثالث أكبر نسبة على مستوى لبنان كلّه، من أبرزها بلدية المنية التي تُصنّف رابع أكبر بلدية في لبنان بعد بلديات العاصمة بيروت وطرابلس وصيدا، وجاء حلّها، في منتصف ولاية المجالس البلدية عام 2019، نتيجة الخلافات السياسية التي أفرزتها نتائج الإنتخابات النيابيّة التي جرت عام 2018، إضافة إلى بلدية الميناء التي جرى حلّها بسبب خلافات سياسية وداخلية عانتها بعد اندلاع شرارة الحَرَاك الشّعبي في 17 تشرين الأوّل عام 2019، عدا عن ما عانته بلدية طرابلس من إنقسامات وخلافات، إلى جانب إحراق مبناها وتضرره بشكل كبير، أدّت إلى شلّ عملها وعجزها عن تأدية مهامها.

فضلاً عن ذلك، فإنّ البلديات ومنذ بدء الإنهيار المالي وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية باتت تعاني من شلل تام، لأنّ أموالها الموجودة في حساباتها في مصرف لبنان، وهي بالليرة اللبنانية، قد فقدت قيمتها، ولم تعد قادرة على تنفيذ أيّ مشروع، بل هي بالكاد تستطيع دفع رواتب وأجور موظفيها وعمّالها وعناصر الشرطة، والقيام ببعض أعمال الصيانة الضرورية جدّاً.

وزاد طين البلديات بِلّة ما بدأ يسري من توقعات بأنّه في حال عدم إجراء الإنتخابات المحلية في موعدها من جهة، وعدم تمديد ولاياتها من جهة أخرى، أن تصبح جميع بلديات لبنان منحلّة ووضعها في عهدة المحافظين والقائمقامين، لإدارة شؤونها، وهو مصير أسود لم تشهده بلديات لبنان في تاريخها، ويجعل مستقبلها قاتماً وغامضاً. 

ويزداد الوضع قتامة في طرابلس والشّمال تحديداً، أنّ محافظ الشّمال رمزي نهرا، منذ تسلّم مهامه قبل نحو 8 سنوات، أثار الكثير من الجدل حول ممارسته عمله، وازدادت دائرة الغضب منه، والإستياء من أدائه ومواقفه السياسية بعد اندلاع شرارة الحَرَاك، ما جعله يغيب قسراً فترة طويلة عن مكتبه، ولا يتابع شؤون المحافظة والبلديات المنحلّة التي وضعت في عهدته بالشكل المطلوب. ولا شكّ أنّ جعل جميع المجالس البلدية الشّمالية في عهدته، أو عهدة القائمقامين، إذا تعذّر إجراء الإنتخابات أو التمديد للبلديات، سوف يؤدي إلى غرق المدن والبلدات الشّمالية في مستنقع كبير من الحرمان والإهمال، وهي المحرومة والمهملة أصلاً، لم تعرفه في تاريخها.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen