حزمة المساعدات الأوروبية للبنان: إنتقادات لا تغني ولا تسمن من جوع
عبد الكافي الصمدلا حديث في البلد، منذ يوم الجمعة الماضي، إلّا عن حزمة المساعدات التي أعلن الإتحاد الأوروبي تقديمها للبنان والبالغة قيمتها مليار يورو لمواجهة تحديات وتداعيات النازحين السوريين الموجودين في لبنان، خلال زيارة قامت بها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فونديرلاين برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إلى لبنان، ولقائهما المسؤولين فيه.
لكن كان لافتاً أنّ أغلب الكلام والمواقف الصادرة عن جهات سياسية معينة، إنتقدت على نحو حادٍ المساعدة الأوروبية للبنان، واعتبرتها "رشوة" له من أجل قبوله بقاء النازحين السوريين فيه، أقله لسنوات أربع مقبلة هي الفترة التي سيتم فيها دفع حزمة المساعدات هذه سنوياً على أربع دفعات، كما ذهب البعض الآخر إلى اعتبارها مؤامرة على لبنان تهدف إلى توطين النازحين فيه، ومتهمين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأنّه قبل بالرشوة وشارك في المؤامرة، ما اضطره للرد على الإتهامات الموجّهة إليه وتفنيدها، ووصفه لها أنّها "محاولة واضحة لاستثارة الغرائز والنعرات"، و"مزايدات شعبية".
غير أنّ ثمّة نقاط إستدعت التوقّف عندها حيال السّجال الدائر حول حزمة المساعدات الأوروبية، لن ينتهي قريباً، من أبرزها ما يلي:
أولاً: منذ بدء الأزمة المالية والإقتصادية في لبنان في العام 2019 لم تهدأ الدعوات التي وجّهها فرقاء سياسيين من مختلف الأطراف دعوا فيها المجتمع الدولي، وعلى رأسه الإتحاد الاوروبي، تقديم مساعدات عاجلة إلى لبنان لأنّه لم يعد قادراً على تحمّل تداعيات وتبعات النزوح السّوري، لكن عندما قدّم الإتحاد الأوروبي هذه المساعدة شنّوا حملة شعواء عليه وعلى الحكومة، واعتبروا المساعدة توطئة لبقاء النازحين السوريين في لبنان وعدم عودتهم إلى بلادهم.
ثانياً: إتضح من أغلب ردود الفعل المندّدة بحزمة المساعدات أنّها نابعة من خلفيات عنصرية أو طائفية أو مذهبية، وهي خلفيات جرى ويجري تضخيمها من أجل تصوير النازحين السوريين في لبنان على أنهم بعبع يجب التخلص منه بأي وسيلة، اليوم قبل الغد إنْ أمكن، وهي ردود فعل تُعقّد المشكلة وتسهم في تأزيمها وليس حلّها.
ثالثاً: منذ بدء النزوح السوري إلى لبنان في ربيع العام 2011، حينما اندلعت الأحداث في سوريا، لم تضع الحكومات المتعاقبة ولا الجهات السياسية على اختلافها، أيّ خطة لمواجهة تداعيات النزوح السّوري، ولا تنظيم وجودهم على أقل تقدير، إلى درجة أن الجهات الرسمية كانت طلبت مراراً من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إعطائها داتا النازحين الموجودة عندها، فرفضت، وعندما قبلت تحت الضغط أعطت الداتا ناقصة ومجتزأة بشكل كبير.
رابعاً: بدل أن يُوجّه المنتقدون كلامهم وأصابع الإتهام إلى حكومة تصريف الأعمال، وهي غير بريئة من كثير من الإتهامات الموجّهة إليها، تغافل المنتقدون عمداً المجتمع الدولي، وعلى رأسه الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الذي أعلن مراراً رفضه عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وعدم قبوله إعطاء المساعدات لهؤلاء النازحين في بلادهم لتشجيعهم على العودة، كما تغافلوا عن إنتقاد مفوضية شؤون اللاجئين التي تتعاطى بشكل فوقي مع الجهات الرسمية بشكل يجعلها تبدو وكأنها "دولة" في داخل الدولة، وترفض التعاون مع الجهات الرسمية على نحو لا يمكنها أبداً أن تقوم به في دول أخرى.
خامساً: يدرك المنتقدون أنّ عودة النّازحين السوريين إلى بلادهم غير ممكنة إلا بشروط، تبدأ من التواصل رسمياً بين الحكومتين اللبنانية والسورية، مروراً باتخاذ الجهات الدولية قراراً فعلياً في هذا الإطار، وصولاً إلى رفع الحصار المفروض على سوريا وإطلاق ورشة إعادة الإعمار فيها لمساعدة النازحين وتشجيعهم على العودة، لا مجرد إطلاق مواقف لا تغني ولا تسمن من جوع، وأنّ الجهد الفعلي يجب أن يتركز في هذا الإطار لا غيره.
سادساً: تبين أنّ الجزء الأغلب من حزمة المليار يورو مخصّصة لبنان، من جيش وقوى أمن وجهات رسمية ومجتمع مضيف؛ وبما أنّ أغلب النازحين السوريين باتوا مؤخراً يقيمون في الشّمال، وتحديداً طرابلس والضنية والمنية وعكار، بعد العدوان الإسرائيلي على مناطق الجنوب والبقاع، والتحريض عليهم في مناطق جبل لبنان بعد اغتيال مسؤول القوات اللبنانية في منطقة جبيل وتفضيلهم ترك تلك المناطق، يفترض أن تنال المناطق الشمالية المذكورة (طرابلس والضنية والمنية وعكار) الجزء الأكبر من حزمة المساعدات الأوروبية، وأن يعتبر ذلك حقاً طبيعياً لها لا يجب التفريط به بأيّ شكل من الأشكال.