قضية فلسطين وحدت المسلمين .. فهل توحد العالم ضد الارهاب الصهيوني؟
كتب المحررليس غريبًا على الأمة الاسلامية توحدها على نصرة غزة وأبنائها، ففلسطين لطالما كانت طوال التاريخ بوصلتها وقبلتها الدائمة.. منذ تأسيس الكيان "الاسرائيلي" هبّ العرب والمسلمون دولاً ومنظمات وِشعوبًا وأرسلوا المقاومين الفدائيين، وقدّم الكثير منهم الشهداء والتضحيات الجسام على طريق منع إقامة الكيان أولاً ثم زعزعة استقراره وأمنه وأمانه، وصولاً الى تحرير القدس والمسجد الأقصى.
لم تكد تمر مرحلة منذ 75 عامًا إلا وتمظهر فيها الالتفاف والتفاعل الشعبي الاسلامي مع فلسطين، حصل ذلك في حربي حزيران 1967 وتشرين أول 1973 ولاحقًا أثناء اجتياح لبنان في آذار عام 1978 باسم "عملية الليطاني"، وثم في حزيران عام 1982 باسم "سلامة الجليل"، مرورًا بالانتفاضة الاولى عام 1987 والثانية عام 2000، وما تبع ذلك من محاولات اقتلاع مخيم جنين في الضفة الغربية عام 2002 وما إرتكبه من مجازر دموية، ولاحقًا ست جولات حروب عدائية شنها العدوان "الاسرائيلي" على قطاع غزة.
ويأتي ما نشهده اليوم من هبة لنصرة فلسطين كثمرة من ثمار إحياءات يوم القدس العالمية عامًا بعد عام، بما يعنيه ذلك من ولادة أجيال مقدسية تربت على قدسية القضية المركزية فلسطين وأهمية مقدسات المسلمين، وضرورة وحدة المسلمين وتضامنهم أو بالحد الأدنى تعاليهم عن مذاهبهم بالتلاقي عند المشتركات الكثيرة فيما بينهم وأهمها فلسطين، وهذا ما جسدته الكثير من التجمعات والمحافل المحلية والدولية التي كانت تقام لتقريب وجهات النظر بين المسلمين وإبعاد شبح الفتنة بينهم، كتجمع العلماء المسلمين، ومؤتمرات حوار التقريب بين المذاهب والاديان.
أتى طوفان الأقصى ليلم شمل المسلمين ويدفعهم للتغاضي عن كل خلاف بينهم، في سبيل دعم القضية، سيما أن هذا الطوفان كان قد سبقه عودة العلاقات الايرانية السعودية لشق طريقها بعد قطيعة طويلة، ما جعل الأجواء تتهيأ على المستوى الشعبي والسياسي والاعلامي لتعود القضية الى صدارة الاهتمام بعد سنوات من التطبيع الخليجي العلني، تخللها زيارات علنية وتوقيع اتفاقات منها اتفاق "ابراهام" مع الامارات.
تراوحت أساليب المواجهة التي اعتمدها المسلمون بين الدعم بفتح جبهات عسكرية مساندة لغزة كما فعلت المقاومة في لبنان و"أنصار الله في اليمن" والفصائل العراقية وسوريا البحرين، أو بالمال، أو بتحركات تأييد وتضامن شعبية مناهضة للاحتلال، بالتوازي مع حركات مقاطعة للبضائع "الاسرائيلية" والدول الداعمة لها، فضلاً عن الترويج للقضية على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الفضائية بشتى لغات العالم لإظهار مظلومية الشعب الفلسطيني وحجم ما يتعرض له من قبل الآلة الحربية الوحشية، ما مكّن الغربيين من التمييز بين الضحية والجلاد بعد سنوات من الضلال والغشاوة جراء التضليل الاعلامي المساند لكل ما يخدم الدول الكبرى للهيمنة على مقدرات الدول الاسلامية.
واليوم لم تعد غزة وفلسطين التي حمل لواءها المسلمون قضيتهم فقط، لقد تحوّلت بفعل الاجرام الصهيوني والإبادة الجماعية ضد أبناء غزة، الى قضية عالمية ينتفض لها دول كجنوب افريقيا وسواها من الدول التي رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية، وكذلك شعوب وطلاب العالم بما فيها اميركا وأوروبا، لتستفيق الشعوب الحرة على فجر جديد من قيم التحرير والتحرر الحقيقية بعيدًا عن مآرب الدول الاستعمارية الكبرى وتضرب عمق مشاريعهم التآمرية، فبعدما أرادوا محاصرة هذه القضية وتصفيتها حاكوا لها الكثير من المؤامرات والصفقات التركيعية الانهزامية والاستسلامية، لكنها نمت وتوسعت بفضل دماء الأطفال الابرياء حتى غزت عقر دار الغرب وأضحت راياتها مرفوعة في شوارع باريس وستوكهولم ونيويورك، كرمز للفخر والاعتزاز، وتجسيد للتضحية في سبيل الحرية.