هل تنطلق شرارة الفوضى من طرابلس وجوارها؟
16 شباط 2023

هل تنطلق شرارة الفوضى من طرابلس وجوارها؟

عبد الكافي الصمد

لم يمرّ مشهد الإحتجاجات الشّعبية التي شهدتها مدينة طرابلس وجوارها، يوم الأربعاء 15 شباط الجاري، مرور الكرام، فقد استدعى ذلك تساؤلات عديدة ورسم علامات إستفهام كبيرة حول الأسباب الفعلية لهذه الإحتجاجات، ولماذا اقتصرت بهذه الحدّة على عاصمة الشّمال دون غيرها من بقية المناطق اللبنانية، ولماذا في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً أنّ المعاناة واحدة، والشكاوى تكاد تكون جامعة بين مختلف أطياف الشّعب اللبناني من أقصاه إلى أقصاه؟

فمنذ أن حملت طرابلس لقب "عروس الثّورة" بعد حَرَاك 17 تشرين الأوّل 2019، دخلت المدينة في سبات عميق لم تستفق منه إلّا مؤخّراً بعد أن تجاوز سعر صرف الدولار الأميركي عتبة الـ80 الف ليرة، وباتت أسعار السّلع الأساسية فوق قدرة المواطنين على التحمّل، تحديداً الفقراء وذوي الدخل المحدود، بالرغم من أنّ المدينة إنتفضت بشكل كبير فاق ما قامت به بقية المناطق اللبنانية غداة حَرَاك 17 تشرين الآنف الذكر، وذلك فقط لأنّ الحكومة أرادت حينذاك وضع رسم بسيط على إتصالات "الواتس أب"، ثم تراجعت عنه.

خلال السّنوات التي تلت حَرَاك 17 تشرين كانت طرابلس وجوارها يشهدان حركة إحتجاجات مشابهة لاحتجاجات أخرى في بقية المناطق، من قطع طرقات بعضاً من الوقت، واعتصامات محدودة، ومظاهر إحتجاج لا تلبث أن تتلاشى بع ساعات قليلة، إلى أن حصل في 15 شباط ما تخوّف منه كثيرون بعدما خرج مشهد الإحتجاجات عن المألوف، وبدا وكأنّ إشارة ما أُعطيت من أجل دفع المدينة وجوارها نحو الفوضى كون الأرضية فيهما مناسبة لذلك، وهذه الأرضية تتمثل في الفقر والحرمان المزمنين، وغياب وضعف المرجعيات السياسية فيهما، وتراخي قبضة الدولة في هذه المناطق، لأسباب مختلفة، في الآونة الأخيرة.

لكنّ ما حصل في 16 شباط تجاوز كلّ المظاهر السّابقة، إذ سجل للمرة الأولى ظهور مسلح في شوارع طرابلس، وإطلاقهم الرصاص في الهواء ترهيباً، في موازاة قيام مسلحين بإجبار أصحاب المحال التجارية والأسواق على إغلاق أبوابهم، فضلاً عن إغلاق طرقات في داخل مدينة طرابلس وعند مداخلها الرئيسية، وصولاً إلى البدّاوي والمنية وبحنين والمحمرة وعكّار، ما جعل أسئلة كثيرة تطرح حول المظاهر الجديدة التي شهدتها طرابلس ولن تؤدي سوى إلى الفوضى، وهل أنّ إغلاق المحال التجارية وغيرها من صيدليات وأفران ومؤسسات سوف يؤدّي إلى خفض سعر صرف الدولار وتحسّن وضع الليرة، ومن أين سيؤمّن الأهالي في أحياء ومناطق طرابلس وجوارها كافّة إحتياجاتهم بعد إغلاق الطرقات والأسواق، وكيف سيصل المواطنون إلى أشغالهم وبيوتهم وسط انتشار المسلحين؟

كلّ ذلك يدفع إلى إبداء خشية حقيقية من أن يكون ما يحصل في طرابلس وجوارها مقدمة جدّية لانطلاق شراراة الفوضى المسلحة في كلّ لبنان في وقت لاحق، خصوصاً أنّ طرابلس لطالما استخدمت كـ"صندوق بريد" بين القوى الداخلية والخارجية المتصارعة لتبادل رسائل سياسية وإقتصادية وأمنية متفجرة، واستغلال تفشّي الفقر والحرمان فيهما للوصول إلى أهداف معيّنة لا تصبّ نهاية المطاف في مصلحة الفقراء والمحرومين الذين سيكونون، كالعادة، وقود فوضى سيجني آخرون ثمارها.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen