محور المقاومة يحقق مكاسب شعبية في طرابلس.
كتبَ المُحرّرحتى عام 2005 لم يكن لرفيق الحريري شعبية وازنة في طرابلس لما عانته المدينة طيلة فترة حكمه من إقصاء عن خارطة لبنان الإقتصادية بالإضافة إلى أنها تحمّلت أكثر من غيرها ثمن التسوية السياسية الإقليمية التي أتت به الى السرايا الحكومي. ولكن الحدث الكبير المتمثل بإغتيال الرّئيس رفيق الحريري مظلوماً جعل المدينة تلتف حول هذه المظلومية وتتصدّر مشهد المحافظة على البنيان السياسي الذي شيده الرئيس الشهيد .
للمدينة حصّةٌ وازنة تاريخياً في نصرة المظلوم ولا تحب المعتدي، وعلى سبيل المثال لا الحصر إندفع منها خيرة شبابها يوم غزو العراق للذود عنه بوجه المحتل الأمريكي كما فتحت أبوابها لإيواء أهل الجنوب يوم حرب تموز وتحمّلت أكثر من قدرتها لإحتضان الشعب السوري الهارب من أتون الحرب. أما فلسطين فلها في نفس أهل طرابلس كما لفلسطين في نفس أهل حيفا ويافا وكل فلسطين.
طرابلس المظلومة تعرف تماماً مَن يُشبهها وطربلس المنتصرة للمظلوم تعرف تماماً من يُشبهها وعلى مبدأ المثل الشّعبي " يا من مثلنا تعال إلينا" تصرّفَت طرابلس في معركة طوفان الأقصى فمن اللحظة الأولى للحدث الكبير لفظت المدينة كل مشاريع فصلها عن ما تؤمن به وعادت إلى ما هي عليه، المدينة في الجوهر، وعاد المزاج العام ليكون إلى جانب فلسطين وإلى جانب من هم الى جانب فلسطين .
هذه العودة السريعة لها ما هيئ لها، فالمدينة ومنذ أن غادر سعد الحريري الحياة السياسية في لبنان فقدت جزءً كبيراً من هويتها السياسية ولم تتقبل دخول حزب القوّات اللبنانية إلى نسيجها السّياسي تحت غطاءٍ سعودي وعلى أرضٍ مرصوفةٍ برُفاة أهل طرابلس المُجزّر بهم على حواجز القوّات اللبنانية إبّان الحرب الأهلية. حالةُ الفراغ هذه لم تنحصر على السّياسة اللبنانية الدّاخلية بل إنسحبت بإتجاه قضايا المنطقة برُمّتها خصوصاً أنّ المملكة العربية السعودية التي لطالما إعتبرتها طرابلس تمثّل قبلةً دينيةً وسياسيةً لها قد تخلت عن هذا الدّور وحطّمت جسور الوصول إليها كلّها إلا جسر حزب القوّات اللبنانية وهو ما لم تتقبّله المدينة.
إنتظرَ أهلُ المدينة منذ بدأ طوفان الأقصى موقفاً سعودياً أو خليجياً ينسجم مع ما يؤمنون به، فالحدث هو حلمٌ طالَ إنتظاره وتحققه لا يحتمل النكاية السياسية، إلّا أن المدينة لم تجد مَن يُمثّل وجدانها في هذه المعركة ممن عوّلَتْ عليهم طويلاً ولأنّ الحياة لا تحتمل الفراغ حضر أبو عبيدة كبطلٍ خارقٍ في عين طرابلس وملأت صوره الشّوارع فالمدينةُ التي خذلها من تولّوا أمرها وإنتظرَتْهم للمبادرة بتشكيلِ نشاطٍ جماعي لدعم فلسطين قررت أن تعيد بناء خياراتها السياسية والإستراتجية عبر مراجعةٍ فرديّةٍ قام بها كلّ فردٍ من أهل المدينة.
المتابعةُ اليوميّة للأحداث في غزّة وحالة الغضب في الشّارع الطّرابلسي لما يُصيب فلسطين وأهلها من ظلمٍ فتح الباب أمام المتدخل الوحيد لنصرة غزة للعودة الى المدينة، ليس من باب العمل السّياسي الإستقطابي بل من باب أنها تتماهى حكماً مع من يمثّل وجدانها السّياسي والدّيني والقومي. وليأتي تدخل المقاومة الإسلامية في لبنان لنُصرة غزة ليخفّف عن المدينة غضبها من عدم القدرة على تقديم الدّعم المباشر لغزة، فكان أن أعادَتْ بناء الجسور مع محور المقاومة خلال ساعةٍ واحدةٍ وخذلت الأمريكي بعد أن صرف مليارات الدولارات على حملات إعلامية وتنظيمات سياسية هدفها تشويهُ صورة محور المقاومة في لبنان وإبعاد طرابلس وأهلها كما سائر المجتمع اللبناني عن القضيّة الفلسطينية، ولتذهب هذه المليارات أدراج الرياح في ساعة الصباح الأولى من السابع من أكتوبر وتعود طرابلس لتشبه نفسها التي فُطرت عليها.