جريمة باسكال سليمان: فرصة ضائعة للقوّات
عبد الكافي الصمدفوّت حزب القوات اللبنانية على نفسه ومناصريه إغتنام جريمة إغتيال منسقه في جبيل باسكال سليمان لتحقيق مكاسب سياسية هامّة فيها، والتحوّل إلى حزب وطني ومسؤول بعد موجة التضامن الواسعة معه في استنكار الجريمة، من قبل مختلف القوى السّياسية وحتى المناهضة له، ما كان سيساعده بلا شكّ في إبعاد صبغة الميليشيا وتهمة التطرّف عنه، وتبييض صفحته مع كثير من اللبنانيين لم ينسوا بعد ممارساته وارتكاباته البشعة أيّام الحرب الأهلية.
فبعد ساعات قليلة من نبأ إختطاف المسؤول القوّاتي نزل مناصرو الحزب إلى الطريق الرئيسي في جبيل وقطعوه في الإتجاهين، في حضور مناصرين لأحزاب أخرى حليفة للقوات أو تضامنت معهم في مصابهم، وارتكبوا إعتداءات غير مسؤولة بحق عابري الطريق ذكّرت بممارساتهم الميليشاوية السّابقة، وأطلق مسؤولو القوات مواقف سياسية إنفعالية وشعبوية حملت تحريضاً طائفياً وسياسياً بغيضاً، أقلّ ما يقال فيها أنّها وضعت البلاد على مفترق خطير شبيه بالأيّام التي سبقت إندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، التي يستعيد اللبنانيون ذكراها الأليمة، في 13 نيسان، بعد أيّام.
ملاحظات وانتقادات عديدة وُجّهت إلى القوّات في السّاعات الماضية، يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
أولاً: دأب مسؤولو القوّات في السّنوات الأخيرة، من رأس الهرم حتى القاعدة، على التمسك بالدولة، وضرورة قيامها على كلّ الأراضي اللبنانية، وانتقاد أحزاب وقوى أخرى تقوم بممارسات وصفتها بـ"الميليشياوية"، فإذا بالقوات تقوم بالممارسات ذاتها، وأكثر، وكأنّها تحنّ إلى أيّام غابرة لها تدرك أن استعادتها غير ممكنة، كما أنّها مكلفة لها قبل غيرها على كلّ الصّعد.
ثانياً: منذ الدقائق الأولى لإعلان إختطاف المسؤول القوّاتي، وقبل انكشاف حقيقة الجريمة ومن ارتكبها وإلقاء القبض على المشاركين فيها، وجّه المسؤولون القوّاتيون أصابع الإتهام إلى حزب الله بلا أي دليل، واعتبارها جريمة سياسية قبل صدور أيّ نتائج أولية للتحقيقات التي عكفت عليها الاجهزة الأمنية التي استنفرت على نطاق واسع بشكل بدت هذه الإتهامات جاهزة وغبّ الطلب، ومشكّكة بالتحقيقات، ولا هدف لها إلّا التوتير.
ثالثاً: تسبّب الإعتصام الذي نفّذه مناصرو القوّات وحلفاء لهم من أحزاب أخرى على الطريق الدولية في جبيل، وقطعها في الإتجاهين، في تأخّر وصول مواطنين طرابلسيين وشماليين إلى منازلهم وهم في طريق عودتهم من عملهم في بيروت وجوارها، وجعلهم يفطرون في الشّوارع لا مع عائلاتهم التي كانت تنتظر عودتهم لمشاركتهم التحضيرات لاستقبال عيد الفطر، فضلاً عن تصرفات وممارسات أثارت نقمة كثيرين على القوات في مناطق إمتد حضورها السياسي والنيابي إليها خلال السّنوات الأخيرة، فإذا بالقوات تخسر أو تكاد، بما قامت به، مناطق فتحت لها أبواباً كانت مغلقة أمامها لسنوات طويلة، وأثار ما قامت به مخاوف من حصول توتر أمني في بعض هذه المناطق (طرابلس مثلاً) التي شهدت دعوات للرد باستهداف مكاتب القوات فيها.
رابعاً: فور صدور نتائج التحقيقات في الجريمة التي كشفتها الأجهزة الأمنية، والتي تبين أنّ الذين قاموا بها أفراد من النّازحين السّوريين بقصد سرقة سيارة المسؤول القواتي قبل قيامهم بقتله، شهدت جبيل ومناطق أخرى، للقوات حضور وثقل سياسي وشعبي فيها، إعتداءات طالت مواطنين سوريين أبرياء، وعلى سيارات تحمل لوحات سورية كانت تعبر الطريق الدولي في جبيل، حملت طابعاً عنصرياً وطائفياً مقيتاً.
هذه الإعتداءات على النّازحين السّوريين دفعت كثيرين إلى تذكير القوات وحلفائها في فريق 14 آذار سابقاً، بأنّهم كانوا السبب الرئيسي في فتح أبواب الحدود أمامهم ودعمهم في وجه النظام والحكومة في سوريا، برغم تحذيرات وُجّهت إليهم من مغبة التدخل في الحرب السّورية.
كما زار وفد من فريق 14 آذار من ضمنه ممثل عن القوات منطقة عرسال وأعلنوا دعمهم للنّازحين السوريين الذين شكّل بعضهم عصابات مسلحة إعتدت على الأهالي وعلى الجيش اللبناني الذي سقط منه شهداء، وبالتالي فإن القوات وحلفائها يتحملون جزءاً كبيراً من تداعيات وجود النّازحين السوريين في لبنان الذي يعانون منه اليوم.
ثم كيف يمكن فهم التصاريح والمواقف للمسؤولين القواتيين وحلفائهم بضرورة إعادة النّازحين السوريين إلى بلادهم، بعد تحوّلهم إلى قنبلة موقوتة، مع رفضهم حصول أي تواصل مع الحكومة السورية لهذا الغرض، سوى على أنّها عبث سياسي، وسدّ كل الأبواب لمعالجة مشكلتهم في لبنان.