نداء الوطن : طرابلس وأسواقها الحزينة: حنين إلى أيام العزّ
كتب مايز عبيد: تمرّ الأعياد والمناسبات التي كانت تنتظرها أسواق طرابلس لتنتعش، وكأنها أيامٌ عادية وأقلّ. لم يعد هناك ما يحرّكها من ركودها وسُباتها العميق الذي غطّت به منذ سنوات بسبب سياسات أمعنت في سحق هذه المدينة اقتصادياً بدل إنعاشها وإنقاذها، ولولا الأمل لماتت بالكامل.تتجوّل في أسواق طرابلس لا سيّما الأسواق التقليدية التي كانت قبل سنوات موطن الحركة والبركة وزحمة الناس فلا تجد شيئاً من كلّ ذلك. وكأنّ هذه المدينة قد أقفلت على نفسها متدثّرة بحزنها الدفين، متأبّطة أزماتها الكثيرة التي لا حلول لها.
شوارع مثل عزمي وقاديشا ونديم الجسر والتلّ وغيرها، لطالما كانت أساس الحركة الإقتصادية للمدينة والشمال حتّى، هي اليوم بلا حركة.
محلات تقفل وكانت حتى الأمس القريب عنواناً في بيع الألبسة في الشمال، وأخرى تترقّب دورها في قطار الإقفال بعدما انتظرت طويلاً أن تتغيّر الأحوال ولكن لا نتيجة.
دخلنا أحد المحلات في شارع عزمي وصاحبته تلهو بهاتفها، بسبب غياب الزبائن، مؤكّدة أنّ الأوضاع «من سيّئ إلى أسوأ، منذ الصباح وحتى المساء لا نبيع قطعة واحدة، وقد أقفل أكثر من محلّ في جواري، ومن تبقّى يعاند القدر، ولكن إذا بقي الدولار يتلاعب بنا على هذا النحو فإنّك ستجد المحلات في كلّ هذه الشوارع قد أقفلت».
مرّت طرابلس في السنوات الماضية بأكثر من قطوع صعب أوصلها الى الوضع الراهن، إذ كانت الأسواق الأكثر تأثّراً ما أدّى إلى ضرب اقتصاد المدينة الذي يقوم على حركة أسواقها بشكل عام لغياب المؤسسات وتعطّل المرافق الحيوية فيها.
على أنّ أصعب تلك المراحل كانت جولات العنف بين جبل محسن وباب التبانة وصولًا إلى انتشار «كورونا»، فقد جاء الإنهيار الإقتصادي والمالي وجنون الدولار في وقت تغيب فيه أي خطة إنقاذ سياسية أو اقتصادية لدى الدولة اللبنانية للنهوض باقتصاد العاصمة الثانية للبلد.
ويتحدّث رئيس جمعية تجّار شارع عزمي ومتفرّعاته طلال بارودي لـ»نداء الوطن» عن «حالة انهيارٍ تامّ للمؤسسات التجارية الواحدة تلو الأخرى، وسط تراجع كبير في المبيعات يصل إلى نسبة 70% عمّا كنا نعمل به سابقاً رغم محاولات التجّار في شارع عزمي خصوصاً وطرابلس عموماً للصمود وعدم الإقفال».
ويضيف: «أموال التجّار محتجزة في البنوك ولا سيولة تكفي لإعادة الوضع كما كان عليه سابقاً وطبعاً لا دعم ولا تسهيلات من البنوك كما في السابق، وكلّ محاولات التقدّم تفشل عندما يبدأ الدولار بالصعود والجنون فيعود السوق إلى نقطة الصفر، أضف الى أنّنا نعمل بدوام أقلّ من الماضي حيث نعمل 7 ساعات بعدما كنّا نعمل 10 ساعات بسبب الوضع الأمني وأخبار النشل والتعدّيات على المواطنين، ما ينعكس سلباً على حركة التسوّق، كذلك فإنّ المولّدات تُطفأ عند السادسة مساءً، فتقفل كل المدينة باكراً».
ويتابع بارودي: «لا يسعنا إلا أن نتوسّم خيراً في الأشهر المقبلة بأن يتم انتخاب رئيس للجمهورية ويُصار إلى تشكيل حكومة تعمل على استنهاض الوضع من كافة الجوانب، كما نأمل خيراً بموسم الأعياد في شهر نيسان».
ورغم كل الصعوبات التي تعاني منها المدينة وأسواقها يبقى أهلها وتجّارها على أملهم في أن يحدث الفرج المنتظر فتعود الحياة، وتنتعش المدينة التي تحبّ الحياة.