الجيش يضبط إنفلات الوضع في طرابلس: هل يستعيد رمضان رونقه؟
عبد الكافي الصمدما كاد شهر رمضان يطلّ على الطرابلسيين، على وجه التحديد وأكثر من غيرهم، منذ يومه الأوّل، حتى شهدت عاصمة الشّمال إشكالات عدّة من مختلف الأشكال والألوان، جعلت نهار المدينة كما ليلها أشبه بكابوس بات يؤرق أبناء المدينة وجوارها، وتبخّرت معه كلّ الآمال التي عُلقت في أوقات سابقة على أن يكون شهر الصوم فرصة ونقطة تحوّل لانتشال المدينة من واقعها البائس، وفي تحريك الركود الكبير الذي تعاني منه أسواقها بقية أشهر السنة.
فقد اعتادت أسواق طرابلس والباعة والتجّار وأصحاب المصالح والمطاعم، على اختلافهم، إنتظار شهر رمضان من السّنة إلى السّنة، نظراً لأنّ طابع الحياة بالمدينة ينقلب في شهر الصوم رأساً على عقب، ويجعل المدينة أشبه بخلية نحل، خصوصاً في ساعات الليل، حيث لا تعرف طرابلس في شهر رمضان النّوم، وهي التي اعتادت في بقية أشهر السنة أن تقفل أسواقها باكراً، وأن يأوي أغلب سكّانها إلى بيوتهم في أوّل ساعات المساء.
قد تكون عادة الطرابلسيين في إقفال أسواقهم ومحالهم ومطاعمهم باكراً في بقية أشهر السنة مبرّرة، تحديداً في السّنوات الأخيرة، إمّا لأنّ الحركة وارتياد الزبائن لها تتراجع إلى حدّ الجمود مع اقتراب ساعات المساء من كلّ يوم، وإمّا لانقطاع التيار الكهربائي وتكلفة فاتورة الإشتراك المرهقة، ما يحوّل الشّوارع والأسواق إلى أماكن معتمة يُفضّل كثيرون عدم ارتيادها، لكنّ السبب الأبرز هو إنفلات الوضع الأمني ليلاً حيث يستغل زعران وموتورين هذه الظروف، فيقدمون على القيام بأعمال السّرقة والنهب والسّلب والتعديات على المارّة وأصحاب المحال، وتشهد مناطق واسعة في طرابلس ليلاً، على وجه التحديد المناطق الشّعبية والأسواق الداخلية وأحزمة البؤس المحيطة بالمدينة، إشكالات تستخدم فيها أسلحة فردية إلى جانب آلات حادّة، ما يجعل التجوّل في هذه المناطق مغامرة غير محمودة العواقب لا يرغبها كثيرون.
فبشكلٍ مريب يدعو للإستغراب، شهدت طرابلس في الأيّام العشرة الأولى من شهر رمضان إنفلاتاً أمنياً مقلقاً لم تعرفه في الأيّام العادية، من إطلاق نار لأسباب مختلفة سقط بسبهها قتلى وجرحى، وتضارب ومعارك لأتفه الأسباب، وتحوّل بعض الأزقة والأحياء إلى ساحات حرب بالألعاب النارية بين صبية سرعان ما تشدّ الكبار إليها عند أوّل خلاف فيستخدمون بعده أسلحة حربية، ما طرح تساؤلات حول إنْ كان الهدف من وراء هذا الإنفلات الأمني غير البريء ضرب الحركة التجارية في مدينة طرابلس، وإبقائها أسيرة الفقر والعوز والفوضى والإنفلات الأمني، ورهينة زعراناً ومسلحين يحظون بحماية سياسيين وأمنيين؟
هذا الوضع غير المقبول على كلّ الصّعد جعل الطرابلسيين يضجّون منه، ويوجّهون أصابع التقصير والإتهام إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسّام مولوي ونوّاب المدينة والقوى الأمنية والفاعليات، بأنّهم إمّا مقصرون حيال طرابلس وتركها ساحة يستباحها الزعران وكلّ من هبّ ودبّ، وإمّا متورطين في حماية هؤلاء وتأمين مظلة فوقهم، لأنّ أغلبهم محسوبين على هذا الطرف أو ذاك، وعندما يتم توقيفهم تجري إتصالات وضغوطات فيتم إطلاق سراحهم.
الإستياء الواسع في المدينة، ومناشدات الأهالي وأصحاب المحال والمؤسّسات التجارية، والخوف من أن ينفلت الوضع أكثر ويؤدّي إلى فوضى أكبر وأشدّ خطراً، دفع الجيش اللبناني إلى تعزيز حضوره في المدينة، وتنفيذه حملة مداهمات أوقف مشتبهين بأعمال الفوضى والإشكالات في الأيّام الأخيرة، ما لجم الزعران وضبط الوضع الأمني بشكل تدريجي، وأعاد إلى طرابلس في الثلث الثاني من شهر رمضان، الحدّ الأدنى من الإستقرار الذي تطلبه، بفضل تدخّل الجيش برغم ما يعانيه في الآونة الأخيرة من ضغوطات شتى بسبب إشكالات أمنية متنقلة بين مختلف المناطق، فضلاً عن مواجهته والمقاومة تبعات العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان المستمر منذ 170 يوماً.