تأملات حول طوفان الاقصى وجبهات المساندة (الحلقة السادسة)
بقلم الأستاذ ناصر الظنط لعل ما ظهر في الحلقة السابقة من تفاؤل بقرب التوصل إلى هدنة طويلة او وقف لاطلاق النار لم يكن دقيقا وذلك بسبب التعقيدات الكبرى في مختلف الميادين العسكرية والسياسية .
لكن المساعي لا زالت قائمة والمفاوضات تجري في اكثر من اتجاه ولا سيما في قطر حيث الحديث عن وجود وفد من الاخوة في حماس واخر للعدو الصهيوني في غرف متجاورة لينتقل الوسطاء بينهم علماً ان المعارك محتدمة في محاور التقدم في خان يونس ودير البلح وكذلك في الشمال ناهيك عن استمرار معركة الابادة الجماعية والمجازر والتجويع والذي تواجهه المقاومة وبيئتها الحاضنة بصبر وثبات لا مثيل له.
لقد استدعى العدوان الاجرامي على غزة الوجدان الانساني عموماً والعربي والاسلامي بشكل خاص وبات على المرء القيام بواجبه تجاه المستضعفين والمظلومين من أباة غزة واهلها الكرام فمن الناس من نزل إلى الشارع يتظاهر ويعتصم ويصرخ ومنهم من انفق المال واخرين في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وغير ذلك من صلاة و قيام وصيام ودعاء .
وحيث ان الانسان ينفق مما عنده ومما يملكه ، وحيث ان المقاومة الاسلامية في لبنان تملك السلاح والرجال فراحت تنفق مما عندها لتقوم بواجبها تجاه الاخوة في غزة وهذا هو الامر الطبيعي فكانت جبهة الاسناد والنصرة والدعم وما زالت تقدم الغالي والنفيس وتزف عشرات الشهداء الابرار قربة إلى الله تعالى ولكن العدو الصهيوني المجرم يشن هجماته التدميرية ويرتكب المجازر مما دفع الكثيرين من اهلنا في القرى المتاخمة لفلسطين بالنزوح ولكن هذه المرة لم يكن النزوح والتهجير عندنا فقط بل طال مستوطناتهم حيث افرغت المستوطنات او المغتصبات من سكانها و نالت بيوتهم الكثير من الخراب والدمار .
رغم ذلك نرى ان هذه الجبهة والتي تمتد لاكثر من مئة كلم من الناقورة ساحلاً إلى تلال كفرشوبا ومزارع شبعا وصولا إلى الجولان المحتل وباعماق واسعة من الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، هذه الجبهة المفتوحة يوميا لا زالت مظلومة بحيث عدم ظهور كل نتائجها الميدانية امام الناس وامام الراي العام ولا سيما محبي المقاومة وجمهورها والسبب في ذلك ان المقاومة حرصت منذ اليوم الاول على تركيز هجماتها الصاروخية او المدفعية او الطائرات المسيرة نحو المراكز والثكنات والتجمعات العسكرية .والهدف من ذلك عدم اعطاء الحجة والذريعة للعدو المجرم باستهداف المدنيين .
وكلنا يعلم ان نتائج استهداف المواقع المدنية سواء كانت ابنية او اسواق او مصانع او غير ذلك تظهر للعيان ويتم تصويرها ونشرها ولكن استهداف الموقع العسكري ومهما كانت الخسائر او الاصابات داخله فيمنع التصوير ويحجب الخبر ويتم التكتم عن النتائج.
لا بل ان العدو الماكر ومنذ نشأتة يخفي الكثير او اكثر خسائره العسكرية ولا سيما ما يخسره من جنود وضباط .
ونشير هنا إلى ان ظاهرة اخفاء الخسائر العسكرية خاصة داخل الثكنات والتجمعات والتحصينات هو امر طبيعي لدى كل القوى العسكرية سواء كانت نظامية او مقاومات شعبية وكذلك الامر بالنسبة للمقاومة في لبنان ،فعندما يتعرض موقع عسكري للاستهداف لا يسمح لوسائل الاعلام بالتصوير وذلك لدوافع امنية.
ولكن المقاومة الاسلامية لا تتكتم او تخفي شهداءها ، كما يفعل العدو ، بل تفتخر وتزف الشهداء وتقيم لهم الجنائز التي تحولت في هذه الايام إلى مهرجانات عز وإلى اعراس شهادة وإلى مظاهرات شعبية حاشدة تعبيراً عن تاييد كبير من الحاضنة الشعبية للمقاومة ولخيارها بمساندة غزة وشعبها ومقاومتها والدفاع عن لبنان وعن الامة والتزاما بقضية القدس وفلسطين .
ولابد من الاشارة إلى دقة التنظيم وحسن ترتيب المظاهر والمراسم المرافقة لتشييع الشهداء من حاملي النعوش الطاهرة إلى حاملي الرايات والكشافة والصلاة والهتافات والكلمات التأبينية.
لقد خبرنا هذه المقاومة الباسلة والتي لم تكن في يوم من الايام حالة استعراضية لا بل كانت دائماً صادقة وفاعلة وناجحة ومما يؤكد اهمية جبهة الاسناد هذه ، كثرة الوسطاء والوفود والموفدين (يغيب العاشق فيظهر المشتاق) سعياً وراء اطفائها او عدم اتساعها بهدف تخفيف الضغط عن العدو المجرم.
وها هي الكثير من التقارير المسربة تؤكد ان المواجهة على الحدود اللبنانية الفلسطينية شرسة وكبيرة والكل يعلم ان المقاومة حريصة على اهلها وناسها ومجاهديها فهي ان لم تبخل بتقديم التضحيات لكنها لم تضحي وتبذل دون نتائج حقيقية ومؤكدة .
يضاف الى ما سبق السؤال التالي: هل كان لأهل المقاومة و مؤيديها قدرة النظر الى وجوههم في المرآة لو لم تقم المقاومة الشريفة باسناد غزة و مقاومتها ؟
و للمزيد من التأكيد على فعالية هذا الاسناد علينا أن نتأمّل مشاهد المواجهة القائمة و لأكثر من خمسة اشهر و نصف حيث يبرز التوازن النسبي و إلى حد كبير،لا بل و بالرغم من تفوقهم في سلاحي الجو و الرصد.
ترى المجاهدين يتقدمون الى خط المواجهة بحثاً عن جندي صهيوني أو آلية عسكرية لينالوا منها، فيما جنود العدو يختبئون في بروجهم المشيدة خوفاً من بأس المقاومين البواسل .
مما يؤكد أن المقاومة في حالة صعود و العدو المجرم في حالة أفول و نزول بإذن القوي العزيز.
وبالرغم مما قدمتة جبهات الاسناد بدءا من لبنان ومرورا بالعراق وسوريا ووصولا إلى اليمن وبالرغم من كل التداعيات التي رأيناها على مستوى الرأي العام العالمي والمواقف السياسية الداعية لوقف الحرب والمجازر ، ما زال نتنياهو مصراً على الاستمرار في حربه الاجرامية وهو عندما يرسل وفده إلى قطر للمشاركة في مفاوضات وقف اطلاق النار يتفق مع بايدن على ارسال وفد آخر إلى امريكا لاقناعهم بضرورة اجتياح رفح زاعماً ان تلك المعركة ستكون فاصلة للقضاء على حماس وتحقيق النصر.
ولكن حقائق الميدان تظهر وحتى يومنا هذا عجز هذا العدو المجرم امام بسالة المجاهدين المضحين والذين اعدوا انفسهم لمعركة طويلة فوق الارض وتحتها بدقة واتقان وعزم حتى تحقيق احدى الحسنيين اما النصر واما الشهادة ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز .
وهذا رمضان الخير والكرم والصبر والجهاد سيحمل لغزة الابية و لكل المجاهدين وللامة العزة والنصر باذن الله تعالى .