سوزان بعيني ودعت الحياة قبل أن يطلق كتاب أمثالها صرخة الحياة
بقلم روبير فرنجيةهذه المرة لم يكن بالإمكان إقناعها بالعزوف عن السفر …
هناك الأحبة أصبحوا أكثر.
لقد إشتاقت لوجوههم وحكاياتهم.
الناس هناك يشبهونها أكثر.
هناك لا كورونا ولا ودائع ولا ثورات ولا خضات.
هناك في أحضان الأب السماوي نبع الفرح وهي التي عزفت أناشيده وعلى أوراقها صدحت مواويله.
سوزان " بعيني " بل بعيوننا نحن الذين أحببناها قصيدة موزونة كتبت على بحر الوفاء.
ألا يحق للشاعرة أن تستحدث بحراً بعلبة تلوينها؟
لا أملك حاسة سادسة لأحذر أن زيارتنا الأخيرة لها كانت الأخيرة.
زيارتنا الأديبة والشاعرة والمنتدية والناثرة والمربية كانت قبل أيام من دخولها المستشفى.
كانت أنيقة كالعادة.
تصر على الوقوف لإستقبالنا.
تضحك وهي محاطة ب" بنات عيلتها " فالرجال أصبحوا في المهجر.
أحاديث كثيرة دارت بيننا.
غياب المنتديات في منطقتنا ، الإصدارات ، تجربة البيت الثقافي ، برنامجي الجديد "ألبوم الاأصالة" ، ضيفة الحلقة جاندارك أبو زيد التي لم تكبر ، خطاباتها حين كانت مديرة الثانوية وطقوسها الإدارية ، عرابة ١٨ حفيداً في العائلة مع أنها كانت تريد إبقاء العدد على رقم ١٧ ….
طبعت على جبينها قبلة وشعرت بحرارة إستقبالها لنا.
كانت تريد الوقوف وتصر على العلاج الفيزيائي.
لم تعتد الجلوس ولا الإنحناء.
عاشت واقفة بشموخ حتى في أحزانها وخيباتها.
قالت لي مرة في جنازة أحد كبار أهل الفن: غريبة هذه الجنازة من دون زحمة معزين.
قلت لها " ما عاد في وفا " نظرت إلي قائلة: أنت الوحيد الذي لا يحق لك قول ذلك.
وأردفت: كان توقيع كتابك في ساحة سبعل عن السبعلي مهرجاناً، وبعد أشهر كانت حفل نيلك وسام بول هاريس أقرب إلى مهرجان أيضاً.
قالت على أكثر من منبر أنها تفخر أنني كنت وسفير لبنان في غانا ماهر الخير من تلاميذها.
ونحن كنا نفخر أنها أخذتنا إلى صحافة الحائط ….. كتبنا مقالاتنا الأولى على جدران ملعب المدرسة.
في جلسة سوزان الأخيرة طالبتها بنصوص ما كانت تكتبه عن الأمثال ، الشاعرة ميراي شحادة تحمست لطباعته الفورية وبأيام ،فهي تعتبرها شقيقة لوالدها شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة .
أخبرتنا عن هذه التجربة وأعرب محسن ومرسال وقبلان عن إستعدادهم للتنقيح والتصحيح بعد الطبع.
وعدتنا بأنها سترسل الأوراق مع " سميتها " سوزان ووعدنا أنفسنا بأن منطقتنا ستشهد على سلام الراسي الخاص بها ، لكن الخبيث لا يمكن إلا أن يفتك بالجسد ويغدر بصاحبه ، هل يمكن للسرطان أن يكون له صاحباً؟.
سوزان بعيني غيابك البوم ذكرني بغياب الكثير من الأدباء والشعراء والزملاء والأصدقاء.
لقد أصبحتم هناك أكثرية نوعية.
فكروا بمعرض كتاب ، بسيمبوزيوم ، بأسبوع ثقافي حيث أنتم ، إصنعوا من التراب في المدافن مجسمات ومنحوتات وقصائد رملية.
توقيع ديوان الرمال لا يحتاج إلى بطاقة دعوة.
ورقة نعي سوزان قرأتها كأنها بطاقة.