ماذا دهى نجيب ميقاتي؟
عبد الكافي الصمدأكثر من سؤال يُطرح في مختلف الأوساط عن الأسباب والخلفيات التي دفعت وتدفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التصرّف، وهو على رأس السّلطة، بهذا الشكل من الخفّة في التعاطي مع الملفات والقضايا، والعشوائية في مقاربتها، والأخطاء التي يرتكبها خلال متابعتها، بشكل يُظهره وكأنّه مبتدىء في السّياسية، وليس سياسياً محنّكاً ـ كما يُفترض ـ مضى عليه أكثر من ربع قرن من الزمن وهو في قلب العمل السّياسي والشّأن العام، منذ عام 1998، عندما جرت تسميته وزيراً للأشغال العامّة والنقل في حكومة الرئيس سليم الحص، في أوّل حكومات رئيس الجمهورية السّابق إميل لحود.
خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة التي استهلها ميقاتي بدخول عالم السّياسة اللبنانية وزيراً، ومن بعدها نائباً عن طرابلس ورئيس كتلة نيابية، وتأليفه 3 حكومات خلال هذه الفترة، آخرها الحكومة الحالية، قبل تكليفه تأليف حكومة رابعة لم تبصر النّور ما جعل حكومته الثالثة تستمر في تصريف الأعمال منذ الفراغ الرئاسي قبل نحو سنة وخمسة أشهر، يتساءل كثيرون: أين هي تجربة وخبرة ميقاتي في الحكم، ولماذا يتصرّف وهو على رأس السّلطة على نحو بعيد عن صفة "رجل الدولة" التي اتصف بها أغلب من تولوا الرئاسة الثالثة، باستثناء قلّة وضع نفسه ـ بطريقة إدارته الحكم ـ بينهم؟
قبل مدّة صرّح ميقاتي بأنّه لا يرغب في ترؤس أيّ حكومة لاحقة، ونيّته الإبتعاد عن العمل السّياسي المباشر مع بقائه موجوداً في الشّأن الوطني، غير أنّ عدّة "سقطات" وقع فيها رئيس تيّار العزم في الأشهر الماضية جعلت البعض يطرح تساؤلات حول إنْ كان ميقاتي سيُنهي حياته السّياسية على هذا النحو من الفشل في معالجة أغلب الملفات التي يقاربها، ويدفع نفسه لدخول التاريخ من هذا الباب؟
من الأمثلة على ذلك الإرباك الذي وقع فيه خلال "أزمة" بدء التوقيت الصّيفي العام الماضي، ورفضه نشر قوانين في الجريدة الرسمية كان أقرها المجلس النيابي في سابقة لم يُقدم عليها أيّ رئيس حكومة قبله، وإدراته ظهره لمدينته طرابلس التي أضحت خلال عهده من أكثر المدن والمناطق اللبنانية فقراً وفوضى وفلتانا، وغياب سلطة الدولة فيها ولو بالحدّ الأدنى، بدل أن يجعلها حاضنته وعرينه الذي يواجه فيه خصومه أوقات الأزمات، وإعطائه لمن يراجعه ـ من طرابلس والشّمال أكثر من غيرهم من المناطق الأخرى ـ في ملفات ومطالب وعوداً لا ترى النّور، وصولاً إلى حدّ اصطدامه مع مع موظفي القطاع العام وإدارات الدولة والمتقاعدين، من مدنيين وعسكريين، بعد أن أغدق عليهم وعوداً لم يتحقق أيّ منها طيلة أشهر بتحسين رواتبهم ومستحقاتهم المالية بعد تدهور أحوالهم على نحو لم يعرفه موظفو الدولة اللبنانية من قبل، خصوصاً بعدما تبين للموظفين أنّ هناك "تهريبة" من وراء ظهورهم لإعطاء علاوات وحوافز مالية لفئة من الموظفين واستثناء البقية، ما جعل ثائرتهم تثور على ميقاتي الذي اضطر للتراجع عن هكذا خطوة، ودفعه لدعوة وزير المالية إلى وقف دفعها.
"سقطة" ميقاتي في هذا المجال عبّر عنها موظفو 7 وزارات، حتى الآن، بإعلانهم توقّفهم عن ممارستهم أعمالهم نتيجة ذلك، في موجة إحتجاج تكبر في وجه ميقاتي كلّ يوم مثل كرة الثلج، وهو ما أظهرته بوضوح مواقف وبيانات روابط وهيئات الموظفين والمتقاعدين من خلال دعواتهم بالنزول إلى الشّارع يوم الجمعة للحصول على حقوقهم، في ظلّ إتهامات صوّبوها باتجاه ميقاتي لم يعرفها أيّ رئيس حكومة من قبله.
لماذا وصل ميقاتي إلى هذا الدَرْك، وماذا دهاه حتى يرتكب الخطأ تلو الآخر وهو الذي ليس جديداً على العمل السّياسي، ولما يصرّ وهو النّاجح في مجال الأعمال الخاصّة في وضع نفسه أمام لائحة طويلة من الإتهامات بالتسبّب بانهيار مؤسّسات الدولة وإفشال القطاع العام، وأمام خصوم يتزايدون يوماً بعد يوم؟