الحريري عائد إلى الإمارات!
عبد الكافي الصمدقُضي الأمر فقد أعلن الرئيس سعد الحريري على الملأ وبالفم الملآن وبوضوح أنّه ليس عائداً عن قرار عزوفه عن العمل السياسي في لبنان، مؤكّداً "الآن ليس الوقت ولا أنا أفكر بهذا الموضوع"، ورادّاً على سؤال وُجه إليه بإلحاح أكثر من مرة: "كلّ شيء بوقته حلو".
واقعياً ومنطقياً كان جواب الحريري متوقعاً، إذ لم يكن هناك أيّ طرف ـ عدا جمهوره ومؤيّديه في تيّار المستقبل ـ يرى أنّ عودته عن قرار عزوفه قد اتخذ، أو اقترب، ذلك أنّه لم يكن هناك أيّ معطيات جديّة تشير إلى غير ذلك، خصوصاً بما يتعلق بـ"الفيتو" السعودي الذي وُضع عليه، وجعله قبل سنيتن ونيّف يعلن عن قراره، ليقيم منذ ذلك الحين منفيّاً، بشكل غير مُعلن، في الإمارات.
لكنّ مؤيّدي الحريري في التيّار الأزرق الذين أرادوا من خلال الحشد الشّعبي الذي تجمّع حول ضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري، أو توجّه الحشد بعد ذلك إلى بيت الحريري في وسط بيروت، لم يستطع تحقيق غايته بذلك؛ إذ بعدما كان يُمنّي النّفس أن يُلبي الحريري نداءات ودعوات محبيه في العودة، أصيب هؤلاء بخيبة أمل وعادوا مساء أمس إلى منازلهم بأسى واستياء بالغين.
وظهر بوضوح أنّ جمهور التيّار الأزرق الذي نزل بكثافة إلى الضريح وبيت الوسط كان يحاول الضغط بشكل غير مباشر على السّعودية لثنيها عن قرارها بإبعاد الحريري عن الحياة السياسية اللبنانية، بعدما تبيّن أنّ الطائفة السنّية خلت من فراغ كبير في غيابه، وعانت من ضعف كبير في التمثيل السّياسي ومن حضور في السّلطة؛ فقد كشفت معلومات أنّ قوى وجهات وشخصيات مقرّبة من الحريري بذلت جهوداً، خلال الأيّام والسّاعات التي سبقت ذكرى 14 شباط، لتأمين أكبر حشد شعبي لتحقيق هذه الغاية، وهو ما لم يحصل.
وحتى لا يحصل أيّ التباس حول قرار الحريري في استمراره تعليق عزوفه وعدم العودة وتيّاره إلى الحياة السياسية اللبنانية، فقد أعلن ذلك في لقاء خاص أجرته معه قناة "الحدث" السّعودية، للتأكيد بشكل لا يقبل الشّك أو الإجتهاد بأنّ قرار المملكة لا يزال سارياً إلى أجل غير مُسمّى.
إستمرار "الفيتو" السّعودي على الحريري الذي أعلنه قبل انتهاء زيارته إلى لبنان، سيجعله يحزم حقائبه ويعود إلى منفاه في الإمارات للإهتمام بشؤونه وأعماله ومشاريعه الخاصّة، على أن يعود إلى لبنان مجدّداً للمشاركة في ذكرى اغتيال والده العام المقبل، من غير أن يعرف هو أو جمهوره إنْ كان قرار السعودية بتنحيه سيتغير خلال الفترة المقبلة أم لا.
لكنّ الحريري الذي أكّد في المقابلة التلفزيونية أنّ الأسباب التي دفعته لتعليق عمله السياسي "ما تزال على حالها"، رسم صورة سوداء جدّاً وقاتمة حول مستقبل لبنان والمنطقة، وما ينتظرهما من تهديدات ومخاطر في المرحلة المقبلة، بقوله إنّه "رأيت (يقصد عندما أعلن عزوفه قبل سنيتن) أنّ لبنان يمرّ بمرحلة خطرة وما زلنا في مرحلة خطرة"، موجّهاً أصابع الإتهام إلى إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بأنّهما يريدان أن "يبعدا مشهد الحرب من غزّة إلى لبنان، بحجج مختلفة"، قبل أن يتطرّق في خضم الإضطراب الكبير الذي تعيشه منطقة الشّرق الأوسط من حروب وقلاقل إلى استحقاق رئاسة الجمهورية في لبنان، ليؤكّد بجواب حازم أنّه "ليس هناك إنتخابات لرئيس جمهورية ولا أي شيء يحدث في هذا المجال".