قراءاتٌ مختلفة في عودة الحريري: مؤقّتة أم دائمة؟
عبد الكافي الصمدأكثر من سؤال طُرح في الأيام القليلة الماضية، سبق ورافق وسيبقى قائماً طيلة إقامة الرئيس سعد الحريري في لبنان، الذي وصل إليه مساء الإثنين 11 شباط (فبراير) الجاري للمشاركة في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، من غير أن تجد إجابات شافية عليها، كون أغلبها كان عبارة إمّا عن أمنيات صدرت عن مؤيديه، أو تحليلات من قبل مراقبين، أو مخاوف لشخصيات وقوى سياسية، سنّية وغيرها، من أن تأتي عودة الحريري للحياة السياسية اللبنانية، إذا كانت جدّية ونهائية هذه المرة، على حساب مصالحهم ووجودهم السّياسي الذي بنوه في غيابه.
أبرز هذه الأسئلة يدور حول سؤالين: الأول هل أنّ عودة الحريري هذه المرّة ستكون طويلة أكثر من العام السّابق، وهل ستليها إذا غادر لبنان بعدها زيارات أخرى له، لا أن يبقى غائباً عاماً كاملاً ثمّ لا يعود حتى حلول ذكرى العام المقبل؟
أمّا السّؤال الثاني، والذي ضجّت به وسائل الإعلام المحلية على اختلافها، هو هل أنّ عودة الحريري هذه المرة ستمهد عودته لممارسة دوره في الحياة السّياسية منذ عزوفه وتيّاره عن ذلك قبل نحو عامين، ومغادرته لبنان بعدها إلى الإمارات، وهو سؤال لا يمكن الإجابة عنه دون الإجابة عن سؤال آخر مرتبط به، وهو هل أنّ السعودية رفعت "الفيتو" الذي فرضته عليه والذي قضى بابتعاده عن العمل السياسي في لبنان؟
لا يوجد أيّ إجابة أو معلومة وافية عن هذين السّؤالين وغيرهما، برغم أنّ البعض حاول أن يرى في "اللوك" الجديد للحريري الذي ظهر به بعد عودته من خلال قصّ شعر رأسه بأنّه عبارة عن صفحة جديدة له مختلفة عن السّابق، أو أن يعتبر هذا البعض أنّ قول الرئيس نجيب ميقاتي له عندما استقبله في السراي الحكومي الكبير أنّ "السراي بيتو للرئيس الحريري.
هو بيستقبلنا مش نحنا منستقبلو"، تأكيد على أنّ الوكيل، سواء كان ميقاتي أو سواه، لا يمكن أن يحلّ بديلاً عن الأصيل.
لكنّ ثمّة نقاطاً طُرحت ونوقشت في الأيّام الأخيرة متعلّقة بعودة الحريري، وهي تحتاج بلا شكّ لمزيد من النقاش حولها، ومن توضيحها أيضاً، من أبرزها ما يلي:
أولاً: أثبتت أحداث السنتين الماضيتين أنّ الحريري ما يزال يملك الحضور الشّعبي الأوّل وسط الطّائفة السنّية، وغيابه ترك فراغاً لم يستطع أحد أن يملأه من بعده، ما جعل خصومه قبل حلفائه يعترفون له بذلك، كلّ على طريقته، وبأنّ هذا الغياب أحدث خللاً واضحاً في التمثيل وموازين القوى على الصعيد الوطني، وجعل الشّريك السنّي في السّلطة ضعيفاً وغير موجود إلّا شكلاً.
ثانياً: عودة الحريري لم يسبقها أيّ تأكيد منه أو من السّعودية أنّ هذه العودة ستكون مفتاحاً لرفع "الفيتو" عنه وعودته إلى الحياة السياسية اللبنانية، وبالتالي فإنّ البناء على عودة غير مضمونة تبقى مجرد أمنيات يُخشى أن تصيب مناصري الحريري بصدمة في حال مغادرته لبنان مباشرة بعد الذكرى.
ثالثاً: لم تسبق عودة الحريري الأخيرة أيّ إشارة تفيد أنّ عودته دائمة ونهائية، لا من السّعودية ولا منه، ولم يتم طرح أي برنامج أو خطّة في هذا الإتجاه، ذلك أنّ عودة بهذا الحجم وعلى هذا المستوى لا يمكن لها أن تكون بنت لحظتها.
رابعاً: طيلة فترة غياب الحريري، لم يبدر عنه ولا عن تيّاره أيّ مراجعة نقدية للمرحلة السابقة، أو تجديد وتحديث برنامجه السّياسي السّابق سياسياً وإقتصادياً وإجتماعيا، على خلفية التطورات الكبيرة في لبنان والمنطقة في السنيتن الماضيتين، بعدما باتت القراءة في الكتاب القديم للتيّار التي أكل الدهر عليها وشرب غير مجديّة لا عملياً ولا نظرياً.