سلام رئيساً للمحكمة الدولية: من سيرأس حكومة العهد المقبل؟
عبد الكافي الصمدعندما أُعلن، يوم الثلاثاء الماضي في 6 شباط (فبراير) الجاري، عن تعيين القاضي والسّفير السّابق نوّاف سلام رئيساً لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، كان ذلك إيذاناً إلى جانب كونه إعلاناً رسمياً عن إقفال وطيّ صفحة التسوية الفرنسية، التي طُرحت منذ الأيّام الأولى للفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية التي كانت تقضي أن يتولى سلام رئاسة حكومة العهد المقبل بعد انتخاب رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية.
لم تبصر المبادرة الفرنسية النّور، وواجهت صعوبات واعتراضات منذ اليوم الأوّل لطرحها، جرّاء رفض الثنائي المسيحي (القوّات اللبنانية والتيّار الوطني الحرّ كلّ فريق لأسبابه) ومعهم عدد من النوّاب الجدد، إنتخاب فرنجية، في مقابل تحفّظ الثنائي الشّيعي (حزب الله وحركة أمل) على سلام، ما جعل المبادرة تدور في حلقة مفرغة إلى أن خرج سلام منها نهائياً بعد توليه رئاسة محكمة العدل الدولية، بينما بقي فرنجية محافظاً بثبات على دعم حلفائه له.
وإذا كان إنتخاب سلام في المنصب الدولي المرموق لمدّة ثلاث سنوات إثر انتهاء ولاية الرئيسة الأميركية القاضية جون دونوغيو، جعله أوّل لبناني وثاني عربي يتولى هذا المنصب وثاني عربي يترأس هذه المحكمة منذ إنشائها عام 1945 بعد وزير خارجية الجزائر الأسبق ورئيس المحكمة الدستورية فيها محمد بجّاوي، فإنّه فتح الباب منذ الآن وطرح تساؤلات عن من سيتولى الرئاسة الثالثة في العهد المقبل، وسط ضبابية في المشهد السّياسي ضمن السّاحة السنّية غير مسبوق من قبل.
خروج سلام من السّباق نحو السّرايا الحكومي الكبير جعل أغلب المنافسين له، المعلنين والمضمرين، يهنئونه على انتخابه في المنصب، ويعتبرون ذلك إنجازاً للبنان وفخراً له بأبنائه، ودليلاً على ريادتهم وكفاءتهم التي جعلتهم يتبوؤن مناصب دولية رفيعة، إلّا أنّ مواقف التهنئة لسلام، من قبل الشّخصيات السنّية تحديداً، بدت أقرب إلى الغبطة في أنّ منافساً لهم خرج من السابق، وأنّ حظوظهم في الوصول إلى سدّة الرئاسة الثالثة باتت ممكنة، ومن يعود إلى مواقف الشّخصيات السنّية في هذا المضمار، خصوصاً التي لم تخبّىء سعيها وراء توليها رئاسة الحكومة، يلمس بوضوح ما يشبه الإرتياح عندهم بعدما أزيل "كابوس" سلام عن صدور طموحاتهم.
واللافت في هذا السّياق أنّ الآونة الأخيرة شهدت نقاشاً مضمراً بعيداً عن الأضواء وتسريبات إعلامية تتحدث عن مشاورات تجري بين قوى داخلية وخارجية الغاية منها إستشراف رئيس الحكومة المقبل، في ضوء أجواء تتحدث عن أنّ "نادي" رؤساء الحكومة في لبنان سيشهد دخول إسم جديد إليه، بعد إعلان غير مباشر من رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية نجيب ميقاتي أنّه لا يريد تولي رئاسة حكومة العهد المقبل، وبقاء "الفيتو" السّعودي على عودة الرئيس سعد الحريري إلى ممارسة العمل السّياسي، فضلاً عن إعلان الرئيس تمّام سلام عدم رغبته في تولّي رئاسة الحكومة مجدّداً، وتعذّر تكليف الرئيس فؤاد السّنيورة بسبب إعتراضات داخلية عليه.
وإذا كانت التسريبات تتحدث عن أنّها لا تريد تكرار تجربة الرئيس حسّان دياب مرة أخرى إذا لم تضمن لها النجاح، فإنّ التسريبات تتحدث عن أمرين: الأوّل أنّ الرئاسة الثالثة لن تكون من نصيب أحد الوزراء السنّة في حكومة ميقاتي الحالية، الذين لا يخفي بعضهم طموحهم إليها؛ والثاني أنّ نقاشاً مبدئياً ومبكّراً يدور حول شخصيتين سياسيتين الأولى صيداوية والثانية بقاعية جرى التداول بهما في بعض الأوساط السياسية، لكنّ كلّ ذلك مرتبط بتسوية الرئاسة الأولى التي ما تزال تراوح مكانها برغم إنقضاء سنة وأربعة أشهر ونصف على الفراغ في قصر بعبدا.