حبلت في البحر الأحمر فكادت تلد في طرابلس!
عبد الكافي الصمدعلى قاعدة المثل الشّائع الذي يقول إنه "إذا حبلت في الصّين فإنها ستلد عندنا في لبنان"، يمكن تفسير وفهم الأزمة الأخيرة للمحروقات التي شهدتها الأسواق الأسبوع الماضي، والتي كانت في إحدى وجوهها إعتراضاً على بنود وردت في الموازنة العامّة التي أقرّها المجلس النيابي مؤخّراً، لكنّها كانت في وجه آخر إحدى تداعيات الأحداث الأمنية الدائرة حالياً في البحر الأحمر، والتي انعكست سلباً على حركة مرور البواخر على أنواعها، خصوصاً تلك التي تحمل النفط وتنقله عبر البحر الأحمر إلى مختلف دول العالم.
بما يتعلق بالوجه الداخلي فإنّ شركات إستيراد النفط رفضت تسليم المحروقات إلى المحطّات بحجّة الضرائب والرسوم التي فرضتها الموازنة عليها، ومع أنّ الوضع بقي برغم ذلك طبيعياً في أغلب المناطق اللبنانية، فإنّ طرابلس وحدها، ومناطق مجاورة لها، خرجت عن ذلك، إذ سرعان ما رفعت أغلب المحطات خراطيمها وتوقفت عن تزويد المواطنين بحاجاتهم، ما جعل طوابير السيارات تعود للإصطفاف طويلاً أمام عدد قليل من المحطات التي بقيت تعمل قبل أن تقفل أبوابها، وسط مظاهر عودة السّوق السّوداء للمحروقات للظهور من خلال إنتشار باعة الغالونات على جوانب الطرقات، وبأسعار تفوق أسعارها الرسمية بكثير.
وضع المواطنون أيديهم على قلوبهم خوفاً من عودة الإشكالات أمام المحطات كما حصل خلال الأزمة السّابقة، خصوصاً في طرابلس، وأدّت إلى تضارب وإطلاق نار وسقوط جرحى وقتلى، في حين كانت أغلب المناطق اللبنانية تشهد تعايشاً طبيعياً مع الأزمة، بسبب وجود مرجعيات سياسيّة كانت تشرف على عملية تنظيم عمل المحطات، وتنظّم عملها تفادياً لوقوع أيّ إشكالات، ما دفع الكثير من أبناء طرابلس وجوارها في المنية والضنية وعكار للتوجّه إلى هذه المناطق للتزوّد بحاجاتهم من المحروقات.
هذا المشهد الأسود من الأزمة كاد يعود الأسبوع الماضي، قبل أن ترجع الشركات إلى تسليم المحروقات للمحطات بشكل طبيعي، بعد تلبية شروطها، وهو مشهد كشف ملامحه رئيس تجمّع الشركات المستوردة للنفط مارون شمّاس، الذي رأى أنّه بسبب الأحداث الجارية في البحر الأحمر فإنّ "لبنان سيتأثّر ومن الممكن أن نرى زيادة في أسعار المحروقات، ولكن لن نشهد أيّ شحّ بالكميات".
على هذا النحو رأت شركات إستيراد النفط أنّ الحل هو في زيادة أسعار المحروقات، بعد أن طمأنت بأنّ مخزونها يكفي أشهراً، ما يعني تحقيقها أرباحاً طائلة، بلا وازع أو حسيب أو رقيب، وهو ارتفاع ينتظر أن يشمل مختلف السلع الأساسية الأخرى في المرحلة المقبلة، بعدما رفضت سفناً وبواخر عديدة آتية من الخليج وجنوب شرق آسيا وتحمل العديد من البضائع عبور مضيق باب المندب والبحر الأحمر وصولاً إلى لبنان وبلداناً أخرى، بسبب المخاطر الأمنية هناك نتيجة المواجهة التي أعلنها تنظيم أنصار الله اليمني، وحذّر فيها من عبور أيّ باخرة ترفع علم إسرائيل وحلفائها من عبور المضيق قبل توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة.
وسط هذه المعمعة طُرحت أسئلة مختلفة عن دور الحكومة والوزارات المعنية من أجل تلافي وقوع هذه الأزمة، وضرورة التخفيف من مضاعفاتها، بدءاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزاراتي الإقتصاد والطاقة تحديداً، وهل تركهم طرابلس وجوارها تعاني وحدها تداعيات الأزمة المستجدة يعفيهم من مسؤولياتهم، وهي المدينة الأفقر في لبنان مع المناطق المجاورة لها، والأكثر بؤساً وتردياً في الأوضاع المعيشية، والتي تحتاج إلى اهتمام بها على كلّ الصعد أكبر من غيرها من بقية المناطق، لا إلى نفض اليد منها وتركها تواجه قدرها وحيدة وكأنّها لا تنتمي إلى هذا البلد؟