فعالية طرابلس عاصمة للثّقافة العربية: كيف تنجح والإهتمام الجدّيّ غائب؟
02 شباط 2024

فعالية طرابلس عاصمة للثّقافة العربية: كيف تنجح والإهتمام الجدّيّ غائب؟

عبد الكافي الصمد    

في السادس من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلن وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى نقل مكتبه إلى "مدينة طرابلس العزيزة" كما وصفها، مفسّراً ذلك "ليتواجد فيها ويقوم بمهامه منها لعدّة أيّام في الاسبوع، ليستكمل عن كثب الإستعدادات الجارية في المدينة لإقامة فعالية طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام 2024.
نقابة محامي طرابلس وبلدية المدينة وضعتا في تصرّف المرتضى مكتبين: الأوّل في دار النقابة والثاني في قصر رشيد كرامي الثقافي البلدي (قصر نوفل)، ليكونا بتصرّفه لعقد الإجتماعات واللقاءات ريثما يتم تجهيز مبنى من المباني التابعة للوزارة بالمدينة ليكون مركزاً ثابتاً للوزير.

قرار وزير الثقافة لقي ترحيباً واسعاً في عاصمة الشّمال التي رأت فعالياتها السّياسية والثقافية والإجتماعية والفكرية أنّ الخطوة هامّة، إذ هي المرة الأولى منذ تأسيس دولة لبنان الكبير قبل أكثر من 100 عام يأتي وزير من خارج المدينة والشّمال ليداوم فيها، ويشرف مباشرة على فعالية لم تشهدها المدينة من قبل، وقد لا تشهدها إلا بعد سنوات مديدة.

من هنا جاء تأكيد مستشار المرتضى ورئيس اللجنة الوطنية للأونيسكو شوقي ساسين الذي رأى أنّ نقل وزير الثقافة مكتبه إلى طرابلس "يُعبّر عن رغبته بالبقاء على تماس مع الحركة الثقافية في المدينة، خاصّة في ظلّ إطلاق فعالية طرابلس عاصمة الثقافة العربية للعام 2024، ورغبته في مواكبة إجراءاتها كلّها".

نحو شهر تقريباً مضى على إقامة وزير الثقافة في طرابلس، كان خلاله أشبه بخلية نحل لا تهدأ، إنْ لجهة إستقباله وفوداً وشخصيات، أو زيارته مرجعيات، أو حضوره ورعايته شخصياً نشاطات ثقافية مختلفة تشهدها المدينة هذه الأيّام، ما أعطى هذه النشاطات إضافة واهتماماً، وشعرت المنتديات الثقافية في طرابلس على اختلافها، ربما للمرّة الأولى، بأن هناك من يهتم بها ويرعاها، ولو معنوياً، ويعطيها بعضاً من وقته وجهده.

لكنّ هذا الحضور الشّخصي لوزير الثقافة في طرابلس لا يكفي لوحده لكي يُعوّل أهل طرابلس والشّمال على فعالية ثقافية مميزة يُنتظر أن تشهدها المدينة، وتنطلق رسمياً في شهر أيّار المقبل، لأنّ هذه الفعالية تحتاج إلى تمويل لا يبدو متوافراً، ما يطرح العديد من التساؤلات حول كيف يمكن تنظيم هكذا فعالية من لا شيء، أو من اللحم الحيّ؛ وما دور بقية الجهات المعنية بالموضوع، وعلى رأسهم رئيس الحكومة وإبن المدينة نجيب ميقاتي الذي لم يُكلف نفسه حتى الآن عناء إيلاء مسقط رأسه أيّ اهتمام لافت كيّ تأتي الفعالية المنتظرة كما يرغب أبناء المدينة، وأيضاً دور وزير الداخلية بسام مولوي الذي ما تزال خطته الأمنية لضبط الوضع في طرابلس تدور في حلقة مفرغة، والإشكالات اليومية باتت خبز المدينة اليومي، فضلاً عن أدوار ومسؤوليات فعاليات المدينة من أحزاب وتيّارات ونوّاب ونقابات ورجال أعمال ومتمولين ومفكرين وناشطين، عدا عن مؤسسات جامعية وتربوية وثقافية يفترض أن يروا أنّ نشاطاً ثقافياً بهذا الحجم يستحق منهم إهتماماً أوسع لتجميل صورة المدنية التي تشوّهت كثير في السنوات الأخيرة، بعيداً عن الأنانية والشّخصانية والحصرية وحب الظهور، وأنّ الفعالية المرتقبة فرصة يجب إغتنامها على أكمل وجه لأنّها فرصة قد لن تتكرر في المستقبل القريب، لأنّ عائداتها على المدينة على مختلف الصّعد ستكون كبيرة، وفائدتها ستعمّ الجميع.
ومن أجل تحقيق الأهداف المرجوة للفعالية، فإنّ هناك أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابات واضحة، من أبرزها:
ـ كيف يمكن إنجاح الفعالية ولا تمويل لها حتى الآن، رسمي أو خاص؟
ـ كيف يمكن لهكذا فعالية أن تحقق الحدّ الأدنى من النجاح إذا كانت المدينة تغرق في العتمة بسبب إنقطاع التيّار الكهربائي والتقنين القاسي، وتحكّم أصحاب المولدات بإنارة منازل وأحياء المدينة البائسة وفق مزاجيتهم ومصالحهم الخاصّة؟
ـ هل إبقاء الوضع الأمني في طرابلس سائباً، من غير وضع حدّ لأجواء التلّفت، يمكن أن يُسهم في إنجاح الفعالية، وإعطاء صورة حضارية عن واقع المدينة؟
ـ كيف يمكن لمدينة توصف بأنّها عاصمة البلاد الثانية وعاصمة الشّمال أن تنجح فيها هكذا فعالية ولا يوجد فيها فندق واحد، فأين سينزل الضيوف والزوّار الذين سيفدون إلى طرابلس من داخل لبنان وخارجه؟
ـ تعتبر طرابلس، واقعاً وحقيقة، متحفاً تاريخياً في الهواء الطلق نظراً للعدد الكبير من المواقع التاريخية والأثرية فيها فضلاً عن أسواق، لكن أغلب هذه المواقع يشوبها إهمال كبير، وغياب للصيانة عنها، ومظاهر قلّة النظافة ـ تحديداً ـ مؤشّر ملموس على ذلك، فهل بهذه الصورة يمكن إنجاح الفعالية وإعطاء صورة إيجابية عن المدينة؟

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen