مولوي وأمن طرابلس: هل ضاعت فرصة نادرة؟
عبد الكافي الصمدلم تكن زيارة وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسّام مولوي الإثنين، 15 كانون الثاني الجاري، إلى مدينة طرابلس وترؤسّه فيها إجتماعاً أمنياً، هي الزيارة الأولى له التي يقوم بها لمدينته ومسقط رأسه منذ تسميته وزيراً في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي شكّلها في 10 أيلول 2021؛ فلقد زارها قبل ذلك مرات عدّة، وأعلن منها البدء بتنفيذ خطة أمنية بهدف ضبط الوضع الأمني فيها، ووضع حدّ للتسيّب والفلتان السّائدين فيها.
أول خطّة أمنية خاصّة بالمدينة أعلن عنها مولوي كانت بعد 3 أيّام من تسلمه مهامه، عندما كشف أنه سيتمّ تطبيق خطة أمنية في طرابلس، لأنّه لا يمكن ترك "عصابات السّرقة والأشرار"، مشيراً إلى أنّه "سيتمّ الحدّ من تفلّت السلاح"، مشدّداً يومها على أنّ "أمن المواطنين مسؤوليتنا، وسنطبّق الخطة الأمنية في الشّمال بالتعاون مع الأجهزة في المنطقة وبإشرافي"، ومعتبراً أنّ "الأمن لا يكون بالتراضي والإتفاق بل بالفرض، والقانون يجيز لنا ذلك.
فالنيابة العامة التمييزية ستسهّل عملنا وستضفي الصفة الشرعية على عملنا، ولن نعود إلى الوراء في طرابلس".
وأضاف مولوي حينها: "نتابع ما يحصل في طرابلس بكلّ جدية لنحقق في خلفية الجريمة وارتداداتها، وهدف إجتماعنا اليوم وضع خطّة أمنية مستدامة لطرابلس، والآن باتت الخطة مكتوبة ولا يمكننا الإفصاح عنها لسلامة تنفيذها، وسنزيد الإجراءات العسكرية والأمنية في طرابلس"، مؤكّداً أنّ "الأجهزة تلاحق كلّ منطقة ضعيفة أمنياً في طرابلس".
ما قاله مولوي على مدى أكثر من سنتين وبضعة أشهر للمسؤولين الأمنيين في طرابلس والشمال يشبه تقريباً ما قاله لهم في اجتماعه الأخير معهم، مع بعض الرتوش والإضافات، كما بعض الإعترافات بالتقصير في بعض الجوانب، لكنه أبدى تقديره لما أنجزته القوى الأمنية مؤخّراً من أنّ "أعداد الجرائم في العام 2023 إنخفض بشكل ملحوظ".
لكنّ جردة حساب للفترة الزمنية التي تسلم فيها مولوي وزارته لا تعطي إنطباعاً أنّ النّجاح كان حليفه في وضع حدّ للتسيّب الأمني في طرابلس، ولجم الفلتان فيها، أو أنّ الإنجازات الأمنية التي حققها في مدينته كانت على قدر الآمال التي وُضعت عليه، ذلك أنّ حقيبة الداخلية والبلديات نادراً ما كانت تتسلمها شخصية طرابلسية، وعندما آلت إليه وُضعت أمنيات واسعة على أمل إحداث نقلة أمنية نوعية في عاصمة الشّمال.
لكن حوادث إطلاق النّار التي تعقب وقوع أيّ إشكالات ولو كانت تافهة لم تتوقف، وكذلك إطلاق النّار وسقوط ضحايا لمجرد خلاف على أفضلية مرور، وأيضاً حوادث السلب والسّرقة والنهب، وإطلاق النّار في الهواء بمناسبة أو بغير مناسبة، ما جعل طرابلس ترزح تحت كوابيس أمنية مقلقة لا تعرف نهاية لها، خصوصاً ليلاً، إذ تبدو غالباً وكأنّها مدينة أشباح.
وخلال فترة السنتين ونيّف من تولي مولوي حقيبة الداخلية والبلديات لم تتوقف أيضاً مخالفات البناء في طرابلس وجوارها، وخصوصاً الأحياء الفقيرة فيها وأحزمة البؤس المحيطة فيها، والتعديات على الشّوارع والأرصفة والأملاك العامة في مختلف أنحاء المدينة، وتشويه صورة المدينة على نحو بشع.
وعندما كان يتم توقيف المعتدين والخارجين عل القانون، وأغلبهم محسوب إمّا على سياسيين في المدينة أو على أجهزة أمنية، كانت إتصالات وضغوطات تجري من أجل الإفراج عنهم، وهو أمر غالباً ما كان يحصل، فكانوا يخرجون أبطالاً وقبضايات يُحسب لهم حساب.
وبرغم مناشدات وُجّهت إلى مولوي ومحافظ الشّمال رمزي نهرا والأجهزة الأمنية من قبل المواطنين الذين بغالبيتهم في المدينة هم من الفقراء وذوي الدخل المحدود، من أجل إلزام أصحاب مولّدات الكهرباء الخاصّة الإلتزام بتسعيرة وزارة الطاقة كما الحال في بقية المناطق، فإنّ أيّ إجراء جدّي لم يتخذ بحقّهم.
عندما تسلم مولوي حقيبة وزارته تفاءل كثيرون في المدينة واعتبروها فرصة نادرة يجب إغتنامها إلى أقصى حدّ، لأنّ إستتباب الأمن في طرابلس سوف ينعكس إيجاباً على مختلف الصعد فيها، إجتماعياً وإقتصادياً وتجارياً ومعيشياً وتنموياً، وجعل القانون وحده من يحكم المدينة، وينقلها من واقعها البائس نحو واقع أفضل يتطلع إليه السّواد الأعظم من أبناء المدينة والشّمال.
هل ضاعت هذه الفرصة النادرة أم لا؟ البعض يقول للأسف ضاعت أو تكاد، إلّا أنّ بعضاً آخر ما يزال يراهن على أنّه ما يزال في الوقت متسعاً، ولو ضئيل، لتحقيق الذي لم يتحقق في الفترة السّابقة.