مــاذا يـبــقـى مـن الأعـيــاد؟ يــبـقــى فــرح العــائـلــة ... يــبــقــى دفء الـوطــن
بقلم د.جوزفين سلمان يمينأيـن نبـحـث عـن الضوء مـع مـرور الوقـت ؟ أيــن نـجـد شــعــلــتــنــا لنــتـوهــج ؟ بــالـتـأكـيـد فـي عـائلاتـنـا الصغـيـرة والـمـمـتــدة. العـائـلـة هي أول مكـان نبـحـث فـيـه عـن الضوء. فـي البيـت الـعـائـلــي، نـجـد الكـنــز الـذي لا يـثـمّن. فـي هــذا المــوقــد، نتـوهــج فنتـعـلـم فـيـه ومـنـه الحـب. الـحـب هــو المــحــرك الأســاسـي والـعـائلـة الحــاضـنـة هـي أسـاس وجــود المجـتـمـع، ومـصـدر الـتـربـية والأخـلاق. الـركـيـزة الأولـى لبـلـورة السـلـوك هـي العـائـلـة. هــي الإطـار الـذي نـتـلقــى فـيـه الـدروس الأولـى مـن الـحـيـاة الـروحـيـة، الاجـتـماعـيـة. لـنــشـكر عــائـلاتـنـا إن كانـت حـاضـنـة أم لا.
أحـب سـحـر العـطــلات والأعــيــاد، خـاصة عـنــدمـا نـلـتـقـي فـي عـائلاتـنـا الصغـيـرة والـمـمـتــدة ويـتـم تـعـزيـزهـا بـأفـكـار إبـداعـيـة. هذا يجعـلني أفـكـر: إذا كان عـلـيـك أن تـخـتـار هـديــة لـتـتـبــادلـهـا لـلـعـيــد ! كـتـابـاً لـتهديه لمن تحب، أي كــتـاب سـتـخـتار؟ أو كـنـزة صـوف تــدفء صـقـيـع الأيــام فـي الـوطـن أو فـي بــلاد الإنـتـشــار؟ أو قــالــب حـلـوى صـنـع يـديـك، يـحـلــي الأيـام. هـذه فـرصة فـريـدة لـمشـاركـة قـصـة ثـمـيـنة بالـنـسـبـة لـك، حـكـاية لـمـسـت قـلـبـك، أو مجرد زيــارة يـمـكـن أن تـضفـي الـبـهـجـة فـي قـلـب شـخـص بـحـاجــة لـحوار أو إبتـســامـة. خـلال مـوسـم الأعـيـاد هـذا، دعـونـا لا نـنـسى أنه فـي بـعـض الأحـيـان أفـضل الـهـدايـا لـيست تـلك التي تكـلف أكـثر، ولكـن تــلك الـتي تـأتـي مـن الـقـلـب.
عــام مـفـعـم بالـفــرح أتمـنــاه لــي ولـكــم. فــرح الإنجــازات، فــرح المــشــاركـة، فــرح التــفـهـم، فــرح الـتـواصـل، فــرح التــعـاطـف، فــرح الأمــل والـعـمــل لإدراة وقــتـنــا بطـريـقـة فـعّــالــة، رشـيـدة،نـاجـعـة. الـوقـت يـمـر سـريـعـًا، لا أقـول شـيـئـاً جـديـداً. كـل عــام نـحـاول الـتـمـسـك بـكـل اللـحـظـات الـثـميـنة. يـبـدأ عـام جـديـد نـأمـل دائـمـاً أن يكـون أفـضـل مـن الـعـام الـذي مضـى دون أن نـعـرف مـا إذا كـان الأفـضـل خلـفـنا أم أمـامـنا. التـمــنــي لا يـنـفـع وحــده. نحـن نـعـبــر السـنـيـن بـسـرعـة، نـنـسـى الـتـوقـف عـنـد أفـضل الأشـخـاص، الأماكـن. نـنـسـى التـمــتــع باللحظـة ومــشــاركــة الــفـرح، الألــم والأمــل مــع الآخـريـن. فـي كـثـيـر مـن الأحـيــان نعــيد الـتــأمـل فـي الـندم بالنـظـر إلـى مـا لـم نـفـعـله، كـل اللـحـظــات التـي لـم نـعــشهـا، الكـلـمـات الـتي لـم نـقـلـهـا. عـوض ذلـك لـنـعـيـش بـفـــرح، نـستـمـتع بكـل لحـظة بـشكل تــشــاركــي ومـكـثـف. لا شـيء أكـثـر خـداعـاً مـن الـوقـت. لنـسـتــثــمــر وقــتــنا فــي عـائلاتـنـا الصغـيـرة والـمـمـتــدة إذ أمــكــن.
الـبـابا فـرنـسـيـس يـقـول : " ... أحـبـوا الأشـخـاص الـذيـن وضـعـهـم الله بـقـربـكـم. بـدلاً مـن أن تعـيــشـوا "كـجـزر"، وضـعـتـم أنـفـسـكــم "فـي خـدمـة بعـضـكـم الـبـعـض"... لأن العائـلـة هـي مـكـان اللـقـاء والـمـشـاركـة والـخـروج مـن الـذات لـقـبـول الآخـر والاقـتــراب مـنـه. العائـلـة أول مكان نتعـلـم فـيـه الحب. بإمـتـنان نحـمـل الـحـب كـمـا قال بـولس الـرسول : "يَصـيـرَ بِالـمـَحَـبـّـَةِ بـَـعـضُكـم خَــدَمــاً لِبـَـعـض". لــذا الإلــتــزام بعـائلاتـنـا الصغـيـرة والـمـمـتــدة إذ أمــكــن ضــرورة حــيــويـة. هــذا الإلــتــزام بـحـب وخــدمـة بـعـضنــا البـعـض ضـروري لبـنــاء المجـتـمـع والـوطـن. العائـلـة هــي البـيـئـة الـداعـمـة لـتـرسيـخ الـقـيـم الضــروريـة لــتــوفــير أفـضـل بيـئـة مـسـتـدامــة للـتعــلــم و العـيــش بســلام، لــبــنـاء حــس المــواطـنـيـة، و تـحــســين الـعـيــش بكــرامـة.
العائـلـة هـي البنـية الأسـاسـيـة للمـجـتـمــعــات. تـوصــف بـعامـود الارتـكـاز فـي الـبـنــاء. الـنــواة الـتـي يـُـشـيـد عـلــيـهـا الكـيـان المـجـتـمعـي والـوطـنـي. وجـودنــا فـي عـائـلـة هــو نـعـمــة فــريـدة. الـعائـلــة هـي الـعــيـد، هـي الزاد لحـيــاة حــيـاة. هي مـصـدر كــل فـرحـة، مـصـدر كـل راحـة. هـي مـنـبع كـل سـعـادة يـسـنــدها رضــى أهــلـنـا، طـقـوس منـاسـباتنـا العـائـليـة المـفـرحـة أو حتى الـمحـزنـة، ضحـكات إخـوتـنا، صـوت أنــاشـيـدنــا المـفـضلة وفـي بـعـض الأحـيـان شـجاراتـنا المـتـقـطعـة. القلب الـمنـفـتـح والدفء الــشــافــي هـمـا مــا نـمـلك فـي عـائـلاتـنـا، نـتـغــذى منـهـمـا، إليـهمـا نـلـتـجــىء. لكـن فـي الأسـرة المضـطـربـة أو المـفـككـة يـخـتـلف الـدفء! تـولـد أنمـاطـاً غـيـر مناسبة. تكــســب عـادات قـد تـؤدي إلـى إضطـرابـات. تـعـمـل الـعائـلــة فـي الـتنـشـئة الإجـتماعـية والمــواطنـيـة بـشـكل آلـي الــتـي تـكمـن فـي الأنـمـاط التـربـويـة الـتـي تـعـتـمـدها للـقـيـام بـعـملـية الـتنـشـئة مـن حـيث السـويـة أو الاضطـراب. مــن هـنـا، عـلــيـنــا أن نــســال أنـفــسنــا عــدة أسـئـلـة منـهـا: كيـف نـربـي؟ هل يـقـوم الأهـل بـدورهـم؟ هـل الأدوار مـوزعـة بـين أفـراد الـعائـلــة بـشـكل عــادل؟ هـل تـفـرض العـلاقـة الأسـريـة حـقـوقـا وواجـبـات عـلى أفـرادهـا؟ كيـف نـعـيـش السـلام فـي عـائلاتـنـا؟ ما نوع الـتـواصل بيـن أفـراد الأسـرة؟ هـل يتـعـامـل الأفـراد بوضوح مـع بـعـضـهـم الـبـعـض؟ هل تـمـنـح الأسـرة أفـرادها فـرصة الـتـعبـير عـن مشاعـرهـم؟ هــل نـعـلـم بنــاتنــا وأبنــائنـا أن يـراقـبوا بإنـتـباه ويـبـحـثوا عن شـهـادة الحـب الـموثـوق فـي عـائـلاتنـا؟ كـم هـو مـهــم أن يـرى ويـعــش الشـابات والـشـبـان المحبّة الحاضرة في حب الـوالــديــن – الـزوجـين، اللـذيـن يـشـهـدان بـحيـاتـهـما العـمـليـّة أن الحـبّ إلـى الأبـــد هـــو أمــر مـمـكـــن.
تـسلـط الأبـحــاث الضوء عـلى أهـمـية الـزواج والـعائـلـة فـي عـالـم الـيـوم. الأسـرة هـي الجـماعـة الإجـتـماعـيـة الــي تتـكـون مـن أشـخـاص لـهـم روابـط تـاريخـية، تـربـطـهم ببعـضهـم صـلـة الـزواج أو الـدم أو الـتـبـني. عـلـيـنـا ضرورة إعـادة الإعـتـبار إلـى الـقـيـم الأسـاسـية الضرورية لصحـة الأســرة وصحة المجتمع بوجه عام.
لـنفـكر فـي كـل تصـرفـاتـنـا لنـتعلم الأفضل منها. لـنُحـط أنفـسـنـا بالأشـخـاص الـذيـن سيجعـلونــا شخـصًا أفضل. الـعــائــلـة هــي بــاقــة الأشــخــاص الـتـي ستـجعـلـنـا أكــثــر تـواضـعاً، أكــثــر فـرحـاً، أكــثــر إنتــاجــيـة. لا ننـسـى أن السـعـادة الحـقـيـقـية تتـكون فـي الـعـائـلــة، مـن لحـظـات صغـيرة وبسـيطة غــالـبــاً ما ننـسى أهـمـيـتها. الضـحـك مـع أحـبـائــنـا، الإستـمـتـاع ببـساطـة يـوم جـديـد مـعـهــم هــو أجـمــل وأحــلى الـهــدايــا. لــذا لا نــفـوت الأشـيـاء الأسـاسـية لصالــح الأشـيـاء الـتي لـيسـت كـذلــك. لـيـس هـنـاك فـرح أعـظـم مـن لـقـاء الـعـائـلـة. هـذا أثـمـن مــا نـمــلــك، هــذا كــل مـا نـمـلــــك. الـحـيـاة فـرصـة هــشـة وهــشـة جـداً، قـصـيرة وقـصـيرة جـداً فـي نـفـس الـوقـت. لـنـزرع الـحـب بـإعــجــاب أيــنــمــا حـللـنـا فـي عــائــلاتـنـا أولاً ومـجــتــمــعاتنــا ثـانــياً وفـي الـوطــن ثـالـثـاً. نُـظـهـر الـحـب بــســلـوكــنــا وقــولـنــا. الـحـيـاة مـعـجـزة دائـمـة حيـث تـوجد الـعـديـد مـن الإحـتـمالات فـي أبـديـة لـحظـة واحـدة. كل يـوم هـو فــرصـة عـيـش الحــب فـي عـائـلاتنــا. فـلنـتــرك بـصـمـة حــب لا تـمـحـى فـي فـضاء هــذا الكــون.
لإعـادة سـحــر الـكـون، أقـتـرح الـسفـر بـين عـائـلاتـنا. نكـتـشــفــهـا، نــســامـحــهــا، نـحـبــهــا. لـنـعــش مـن جـديـد فـي عـائــلاتـنا فننـتــعــش مـن خـلال مـشـاركـة وقـتـنا بـشـغـف، الإسـتـمـاع لبعـضـنا الـبـعـض، الــتـعــاطــف مـع بعـضـنا الـبـعـض. ســر الأعـيـاد هــو الـعـيـش معـاً بـمـودة عـمـيـقــة وروح الأخــوة. أتـمـنـى أن تـقـوي كـل ابتـسـامـة متــبـادلة، كـل نـظــرة الــروابــط الـتـي توحـدنــا. تـذكـرنــا الأعـيـاد بــأن الـروح الحـقـيـقـية تـكــمــن فـي قـلــب عــائـلاتنــا، فـي عـيـش الـحـب والـدعـم الـمـتـبـادل.
دعــونا لا نـنـســى أبــداً أن الـعــائـلــة هــي الـعـلاج الـوحـيـد لـعـدم الـيـأس مــن الـعـالـم. لـنـستـمـتع بكـل اللحظـات الـعـائـلـية الـثمـيـنة، لـنخـبـر بـعــضـنـا الـبـعـض كــم نـحـبهـم.
مــاذا يـبــقـى مـن الأعـيــاد؟ يــبـقــى فــرح العــائـلــة ... يــبــقــى دفء الـوطــن.
سـتـنـقـذ الـعـائـلـة الـكـون مـن خـلال عـيـش الـحـب وتـعـلـيم الـســلام. لـنتـذكــر أن الـعـائـلـــة هـي "خـلـيـّـة المـجـتـمع – الـوطــن الأسـاســيــّة".
أخيرًا، أردت أن أكـتـب إلـيـكم شيـئـا بـالـتـأكـيـد تـعـرفـونـه، بالـفـعـل تـعـيــشونــه. الحــيـاة قـصيـرة، لا تعود إلـى الـوراء أبـدًا. لـنـسـتـفــد مـن اللـحـظـات الـفـريـدة التي لا يـزال مـن الـمـمـكـن خـلالـهـا الإعـتــزاز بـالـمـقـربـين مـنـا فـي عـائلاتـنـا الصغـيـرة والـمـمـتــدة.
جـوزفـيــن سـلمــان يـمــّـيـن
أخصـائـيـة فـي عـلـم النـفـس الـعـيـادي والـدعـم الإجتماعي - أخصـائـيـة فـي عــلـم تـعـلــيم الكــبــار (الانـدراغـوجـي)